القرية كان قليلا كماء القرى التي ليس فيها أكثر من عين ماء واحدة ، وأهل القرية مجبورون على أن يدخروا الماء تمام اليوم في حفرة خاصّة ليجتمع الماء في العين مرّة أخرى.
ولكن في جزء آخر من سورة الشعراء يتجلّى لنا أنّ ثمود لم يعيشوا في منطقة قليلة الماء، بل كانت لهم غابات وعيون ونخيل ومزارع حيث تقول الآيات : (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ). (١)
وعلى كل حال فإنّ القرآن ذكر قصّة ناقة صالح بشكل مجمل غير أنّنا نقرأ في روايات كثيرة عن مصادر الشيعة وأهل السنة أيضا ، أنّ هذه الناقة خرجت من قلب الجبل ، ولها خصائص أخرى ليس هنا مجال سردها.
وعلى كل حال. فمع جميع ما أكّده نبيّهم العظيم «صالح» في شأن الناقة ، فقد صمّموا أخيرا على القضاء عليها ، لأنّ وجودها مع ما فيها من خوارق مدعاة لتيقظ الناس والتفافهم حول النّبي صالح ، لذلك فإنّ جماعة من المعاندين لصالح من قومه الذين كانوا يجدون في دعوة صالح خطرا على مصالحهم ، ولا يرغبون أن يستفيق الناس من غفلتهم فتتعرض دعائم استعمارهم للتقويض والانهيار ، فتآمروا للقضاء على الناقة وهيأوا جماعة لهذا الغرض ، وأخيرا أقدم أحدهم على مهاجمتها وضربها بالسكين فهوت إلى الأرض (فَعَقَرُوها).
«عقروها» مشتقة من مادة «العقر» على وزن «الظلم» ومعناه : أصل الشيء وأساسه وجذره ، و «عقرت البعير» معناه نحرته واحتززت رأسه ، لأنّ نحر البعير يستلزم زوال وجوده من الأصل ، وأحيانا تستعمل هذه الكلمة لطعن الناقة في بطنها. أو لتقطيع أطراف الناقة بدل النحر وكل ذلك في الواقع يرجع إلى معنى واحد «فتأمل»! ...».
__________________
(١) الشعراء ، الآية ١٤٦ ـ ١٤٨.