أي إن كنتم تعلمون بأنّ الجهاد مفتاح عزتكم ورفعتكم ومنعتكم.
ولو كنتم تعلمون بأنّ أية أمّة في العالم لن تصل بدون الجهاد إلى الحرية الواقعية والعدالة.
ولو كنتم تعلمون بأنّ سبيل الوصول إلى مرضاة الله والسعادة الأبدية وأنواع النعم والمواهب الإلهية ، كل ذلك إنّما هو في هذه النهضة المقدسة العامّة والتضحية المطلقة.
ثمّ يتناول القرآن ضعاف الإيمان الكسالى الذين يتشبثون بالحجج الواهية للفرار من ساحة القتال ، فيخاطب النّبي مبيّنا واقعهم فيقول : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) (١) (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) (٢)
والعجيب أنّهم لا يكتفون بالأعذار الواهية ، بل (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ). فعدم ذهابنا إلى ساحات القتال إنّما هو لضعفنا وعدم اقتدارنا وابتلائنا!! (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
فهم قادرون على الذهاب إلى ساحات القتال ، لكن حيث أن السفر ذو مشقة ، ويواجهون صعوبة وحرجا ، فإنّهم يتشبثون بالكذب والباطل.
ولم يكن هذا الأمر منحصرا بغزوة تبوك وعصر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فحسب ، ففي كل مجتمع فئة من الكسالى والمنافقين والطامعين والانتهازيين الذين ينتظرون لحظات الإنتصار ليقحموا أنفسهم في الصفوف الأولى ، ويصرخوا بعالي الصوت أنّهم المجاهدون الأوائل والمخلصون البواسل ، لينالوا ثمرات جهود الآخرين في انتصارهم دون أن يبذلوا أيّ جهد!
غير أنّ هؤلاء «المجاهدين» المخلصين!! كما يزعمون ، حين يواجهون
__________________
(١) العرض ما يعرض ويزول عاجلا ولا دوام له ، ويطلق عادة على مواهب الدنيا المادية ، والقاصد معناه السهل. لأنّه في الأصل من قصد ، والناس يسعون في قصدهم إلى المسائل السهلة.
(٢) الشقة تعني الأرض الصخرية أو الطريق الطويل البعيد الذي يجلب على عابره المشقة والنصب.