لا هذا ولا ذاك؟!
وقد جنح البعض إلى الإفراط إلى درجة أنّهم أساؤوا إلى مقام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وساحته المقدّسة ، وزعموا أن الآيات المذكورة أنفا دليل على إمكان صدور العصيان والذنب من قبل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يراعوا ـ على الأقل ـ الأدب الذي رعاه الله العظيم في تعبيره عن نبيّه الكريم ، إذ بدأ بالعفو ثمّ ثنى بالعتاب والمؤاخذة ، فوقعوا في ضلال عجيب.
والإنصاف أنّه لا دليل في الآية على صدور أي ذنب أو معصية من النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحتى ظاهر الآية لا يدلّ على ذلك ، لأنّ جميع القرائن تثبت أن النّبي سواء أذن لهم أم لم يأذن ، فإنّهم لم يكونوا ليساهموا في معركة تبوك ، وعلى فرض مساهمتهم فيها لم يحلّوا مشكلة من أمر المسلمين ، بل يزيدون الطين بلة ، كما سنقرأ في الآيات التالية قوله تعالى : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً).
فبناء على ذلك فإنّ المسلمين لم يفقدوا أيّة مصلحة بإذن النّبي لأولئك بالانصراف ، غاية الأمر أنّه لو لم يأذن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم فسرعان ما ينكشف أمرهم ويعرفهم المسلمون ، غير أنّ هذا الموضوع لم يكن من الأهمية بحيث أنّ ذهابهم وفقدانهم موجبا لارتكاب ذنب أو عصيان.
وربّما يمكن أن يسمى ذلك تركا للأولى فحسب ، بمعنى أنّ إذن النّبي لهم في تلك الظروف ، وبما أظهره أولئك المنافقون من الأعذار بأيمانهم ، وإن لم يكن أمرا سيئا ، إلّا أن ترك الإذن كان أفضل منه ، لتعرف هذه الجماعة بسرعة.
كما يحتمل في تفسير الآية هو أنّ العتاب أو الخطاب المذكور آنفا إنّما هو على سبيل الكناية ، ولم يكن في الأمر حتى «ترك الأولى» بل المراد بيان روح النفاق في المنافقين ببيان لطيف وكناية في المقام.
ويمكن أن يتّضح هذا الموضوع بذكر مثال فلنفرض أن ظالما يريد أن يلطم وجه ابنك ، إلّا أن أحد أصدقائك يحول بينه وبين مراده فيمسك يده فقد تكون