مِنْكُمْ) (١).
ثمّ تشير الآية إلى سبب ذلك فتقول : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ).
فنيّاتكم غير خالصة ، وأعمالكم غير طاهرة ، وقلوبكم مظلمة ، وإنّما يتقبل الله العمل الطاهر من الورع التقي.
وواضح أنّ المراد من الفسق هنا ليس هو الذنب البسيط والمألوف ، لأنّه قد يرتكب الإنسان ذنبا وهو في الوقت ذاته قد يكون مخلصا في أعماله ، بل المراد منه الكفر والنفاق ، أو تلوّث الإنفاق بالرياء والتظاهر.
كما لا يمنع أن يكون الفسق ـ في التعبير آنفا ـ في مفهومه الواسع شاملا للمعنيين، كما ستوضح الآية التالية ذلك.
وفي الآية التالية يوضح القرآن مرّة أخرى السبب في عدم قبول نفقاتهم فيقول : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ).
والقرآن يعوّل كثيرا على أنّ قبول الأعمال الصالحة مشروط بالإيمان ، حتى أنّه لو قام الإنسان بعمل صالح وهو مؤمن ، ثمّ كفر بعد ذلك فإنّ الكفر يحبط عمله ولا يكون له أي أثر «بحثنا في هذا المجال في المجلد الثّاني من التّفسير الأمثل».
وبعد أن أشار القرآن إلى عدم قبول نفقاتهم ، يشير إلى حالهم في العبادات فيقول:وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) كما أنّهم (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ).
وفي الحقيقة أنّ نفقاتهم لا تقبل لسببين :
الأوّل : هو أنّهم (كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ).
والثّاني : أنّهم إنما ينفقون عن كره وإجبار.
كما أن صلواتهم لا تقبل لسببين أيضا :
الأوّل : لأنّهم (كَفَرُوا بِاللهِ ...).
__________________
(١) جملة «أنفقوا» وإن كانت في صورة الأمر ، إلّا أن فيها مفهوم الشرط ، أي لو أنفقتم طوعا أو كرها لن يتقبل منكم.