موادعا مرة ، ومحاربا أخرى ، إلى أن هلك حسبما يأتي ذكره. وخلا للسلطان (١) الجوّ ، وصرفت (٢) إليه المقادة ، وأطاعه القاصي والدّاني ، ولم يختلف عليه اثنان ، والبقاء الخلص لله وحده.
مناقبه : اشتدّ (٣) ، رحمه الله ، على أهل البدع ، وقصر الخوض على ما تضطر إليه الملّة. ولقد تذوكر بين يديه أهل البيت ، فبذل في فدية بعضهم ما يعزّ بذله ، ونقل منهم بعضا من حرف خبيثة ، فزعموا أنه رأى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في النوم ، فشكر (٤) له ذلك. واشتدّ في إقامة الحدود ، وإراقة المسكرات ، وحظر تجلّي القينات للرجال في الولائم ، وقصر طربهنّ على أجناسهنّ من الناس ، وأخذ يهود الذمّة بالتزام سمة تشهرهم ، وشارة تميّزهم ، وليوفّى (٥) حقّهم من المعاملة التي أمر بها الشّارع في الخطاب والطّرق (٦) ، وهي شواشي صفر.
ولقد حدّث من يخفّ حديثه ، من الشيوخ أولي المجانة والدّعابة ، قال : كنّا عاكفين على راح ، وبرأسي شاشيّة ملف حمراء ، فحاول أصحابي إنامتي ، حتى أمكن ذلك ، وبادروا إلى رقاع من ثوب أصفر ، فصنعوا منها شاشية ، ووضعوها في رأسي ، مكان شاشيتي ، وأيقظوني ، فقمت لشأني ، وقد هيّئوا ثمنا لشراء بقل وفاكهة ، وجهّزوني لشرائه ، فخرجت حتى أتيت دكان السوق ، فساومته ، فلمّا نظر إليّ قال لصاحبه : جزى الله هذا السلطان خيرا ، والله لقد كنت أبادر هذا اللّعين بالسلام عند لقائه ، أظنّه مسلما ، وبصق عليّ ؛ فهممت أن أوقع به ، ثم فطنت للحلية ، فانتزعتها ، وبادرت فأوسعتهم ذمّا ، وعظم خجلي ، وسبقني إليهم عين لهم عليّ ، فكاد الضحك يهلكهم عند دخولي. ومناقبه كثيرة.
جهاده وبعض الأحداث في مدته : والتأثت (٧) الأمور ، لأول مدته ، فجرت على جيشه بمظاهرة جيش المخلوع لجيش الرّوم ، الهزيمة الشنيعة ، بوادي فرتونة ؛ أوقع بهم الطاغية بطره ، كافل ملك الروم ، المملك صغيرا على عهد أبيه ، وعمّه الذّابّ عنه ، ففشا في الأعلام القتل ، وذلك في صفر من عام ستة عشر وسبعمائة ، وظهر العدوّ بعدها فغلب على حصن شتمانس (٨) وحصن بجيج (٩) ، وحصن طشكر ،
__________________
(١) في اللمحة : «للسلطان أبي الوليد».
(٢) في اللمحة : «وضربت».
(٣) النص في اللمحة البدرية (ص ٨٤).
(٤) في اللمحة : «يشكر».
(٥) في اللمحة : «ليوفّوا».
(٦) في اللمحة : «في الطرق والخطاب».
(٧) النص في اللمحة البدرية (ص ٨٤ ـ ٨٥).
(٨) في اللمحة البدرية : «وظهر العدو بعدها على حصن قنبل وحصن متمانس».
(٩) في المصدر نفسه : «وحصن نجيح».