خالد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي (١)
من أهل قنتورية (٢) ، من حصون وادي المنصورة.
حاله : هذا الرجل من أهل الفضل والسذاجة ، كثير التواضع ، منحطّ في ذمّة التّخلّق ، نابه الهيئة ، حسن الأخلاق ، جميل العشرة ، محبّ في الأدب ؛ قضى ببلده وبغيره ، وحجّ وقيّد رحلته في سفر ، وصف فيه البلاد ومن لقي ، بفصول جلب أكثرها من كلام العماد الأصبهاني ، وصفوان وغيرهما ، من ملح. وقفل إلى الأندلس ، وارتسم في تونس في الكتابة عن أميرها زمانا يسيرا ؛ وهو الآن قاض ببعض الجهات الشرقية.
وجرى ذكره في الرّحلة (٣) التي صدرت عني في صحبة الرّكاب السلطاني عند تفقّد البلاد الشرقية ؛ في فصل حفظه الناس ، وأجروه في فكاهاتهم وهو :
«حتى إذا الفجر تبلّج ، والصّبح من باب المشرق تولّج ، عدنا وتوفيق الله قائد ، وكنفنا من عنايته صلة وعائد ، تتلقّى ركابنا الأفواج ، وتحيّينا الهضاب والفجاج إلى قنتورية ، فناهيك من مرحلة قصيرة كأيام الوصال ، قريبة البكر من الآصال ، كان المبيت بإزاء قلعتها السّامية الارتفاع ، الشهيرة الامتناع ؛ وقد برز أهلها في العديد والعدّة ؛ والاحتفال الذي قدم به العهد على طول المدّة ، صفوفا بتلك البقعة خيلا ورجلا كشطرنج الرّقعة ، لم يتخلّف ولد عن والد ، وركب قاضيها ابن أبي خالد ؛ وقد شهرته النّزعة الحجازيّة ، وقد لبس من الحجازيّ ، وأرخى من البياض طيلسانا ، وتشبّه بالمشارقة شكلا ولسانا ، وصبغ لحيته بالحنّاء والكتم (٤) ، ولاث عمامته واختتم ، والبداوة تسمه على الخرطوم ، وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم ، فداعبته مداعبة الأديب للأديب ؛ والأريب للأريب ، وخيّرته بين خصلتين ، وقلت : نظمت مقطوعتين ، إحداهما مدح ؛ والأخرى قدح ؛ فإن همت ديمتك ، وكرمت شيمتك ، فللذين أحسنوا الحسنى ، وإلّا فالمثل الأدنى. فقال : أنشدني لأرى على أيّ امرئ أتيت ، وأفرق بين ما جنّيتني وما جنيت ، فقلت : [الكامل]
قالوا وقد عظمت مبرة خالد |
|
قاري الضيوف بطارف وبتالد |
__________________
(١) ترجمه خالد البلوي في الكتيبة الكامنة (ص ١٣٤) ونفح الطيب (ج ٣ ص ٢٧٧).
(٢) في الكتيبة الكامنة : «القتوري». وقنتورية : بالإسبانية : Cantoria.
(٣) هذا السّفر هو رحلة البلوي المسماة ب «تاج المفرق في تحلية أهل المشرق».
(٤) الكتم : نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه. محيط المحيط (كتم).