ثم أن الباي الذي نحن بصدد الكلام عليه لما فتح وهران وارتحل إليها بالسكنا (كذا) وصيرها دار ملكه الأسنا قصدته الشعراء من كل باب وتزاحمت في الدخول عليه ومعهم العلماء ما بين إيجاز وإطناب ، فمن ذلك قصيدة العلامة الجامع ، الدراكة المانع النّاثر الناظم اللّافظ ، الشيخ أبي راس الحافظ :
خليلي قد طاب الشراب المورّد |
|
لمّا أن صار الأمير بالثغر يقصد |
وأجفت رحال الوافدين أم عسكر |
|
وقد كان مأوى للوفود ومقصد |
تجاذبته وهران لما افتتحها |
|
وقد قالت جاءني الملك محمّد |
فهات أعقارا في قميص زجاجة |
|
كياقوتة في درّة تتوقّد |
يصبّ عليه الماء مسبك فضة |
|
له حلق بيض تحلّ وتعقد |
جلوسا على ذرى الحصون فما ترى |
|
بوهران ناقوسا ولا الوثن يعبد |
فهلّا أبصرت طربها بأذاننا |
|
وقرائتنا أم كان طرفك أرمد |
/ ألم ترها تهتز شرقا إلى النّدا |
|
إذا قال في الخميس المؤذن أشهد |
إذا قطعت بأندلس يد العدا |
|
يدا بقيت والحمد لله لي يد |
وما زال طمع المسلمين في رده |
|
لعلمك أن الدهر يدني ويبعد |
فها هي وهران العداء صفت لنا |
|
وفي كل عورة لها لنا مرصد |
كأن لم تكن بالأمس ترم صواعقها |
|
علينا بزمجر عتيلة صلد |
تقني من النار الجحيم بنفسها |
|
فيا عجبا لي كيف يجتمع الضّدّ |
وكيف تدوم الخيزرات بفكرهم |
|
وتدمر ومنها الفريدة روند |
وقرطبة كانت محط رحالنا |
|
شريس الشريسي وشقة ثم لوكد |
بتذكارهم عمّت وجمّت همومنا |
|
إلى أن نفى الأكدار قوم ممجّد |
بفتحه وهران واسطة عقدهم |
|
بها طال ملكهم قديما ممدّد |
زهت بها مصر ثم نجد وشامنا |
|
ويضربهم بها غريض ومعبد |
وأهل الحجاز قد تسامعوا فعله |
|
ولا شك للمصريين يعلو ويصعد |
فكان بوسط الغرب دخر مضرّة |
|
وكم درّة علياء باليم توجد |
وعم العفات نيل فيض عطائه |
|
وذلك من إحسانه ليس يجحد |
بها علا صيته الملوك بأسرهم |
|
فطاب له أصل وفرع وقعدد |