فوض للمؤمن كل شيء إلا أن يذل نفسه (١).
فهل يمكن أن يقال ـ بعد كل هذا ـ : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد رضي بالذل لأهل الإيمان وأعطى الدنية في دينه .. وهل يمكن أن يكون قائل هذا النمط من الكلام تام الإيمان ، عارفا بحدوده واقفا على حقائقه ودقائقه.
ثانيا : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» لا يمكن أن يعطي الدنية ، خصوصا إذا كانت الدنية في الدين .. لأنه إن كان لم يدرك أن ما أعطاه دنية ، وأدرك ذلك سائر الصحابة ، فقد كان الآخرون أجدر منه بمقام النبوة ..
ويزيد الأمر تعقيدا : أنه قد أصر على موقفه ، رغم التنبيه الشديد ، حتى لقد طال الجدال ، وأشاروا إلى السيوف ، وكادت الفتنة أن تقع ..
فإن كان «صلىاللهعليهوآله» عارفا بأن ذلك دنية ، وقد أقدم عليه ، عن سابق تصميم وعزم. مع علمه بعدم رضا الله تعالى به .. فهو يخل بعصمته عن الذنب.
وإن كان لا يعلم أن الله لا يرضى به ، فهو يخل بعصمته في وعي الأحكام وفي تبليغها ، فإن قوله وفعله وتقريره حجة.
ثالثا : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد صرح لعمر : بأنه ينفّذ أمر الله تعالى ، وأنه لو فعل خلاف ذلك لكان عاصيا له سبحانه ، حيث قال له : ولن
__________________
(١) الكافي ج ٥ ص ٦٣ و ٦٤ والوسائل ج ١١ ص ٤٢٤ ومشكاة الأنوار ص ٤٣٠ والفصول المهمة ج ٢ ص ٢٢٩ وعن البحار ج ٦٤ ص ٧٢ وميزان الحكمة ج ٢ ص ٩٨٢ ونور الثقلين ج ٥ ص ٣٣٦.