٣ ـ لقد أوضحت الآيات : أن من جملة ما حققه صلح الحديبية هو : أن الله تعالى قد جعل الأمور باتجاه أرغم قريشا على اتخاذ موقف من شأنه أن يسقط مزاعمها في حق رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ؛ فإن الصلح قد ركز القناعة : بأن النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يكن يسعى في قطع الأرحام ، ولم يكن يمارس العدوان والبغي ، وأنه إنما يطالب بالكف عن الظلم وعن البغي ، وأنه الوصول ، الودود ، الرحيم ، الرضي ، الذي يتعامل بالصفح والعفو حتى عن أعدى أعدائه ..
وهذا هو ما أشار إليه قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ..) فقد هيأ الصلح قريشا للإقرار : بأن النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يكن مذنبا في حقها ، بل هي سوف تبرؤه من الذنب ، حتى حين تسير الأمور باتجاه لا ترضاه ، أو باتجاه ما ترى أنه لا يخدم مصالحها الخاصة.
وبعد .. فإننا نستطيع أن نفهم الكثير من نتائج هذه الهدنة من ملاحظة نفس الشروط التي وضعت في وثيقة الصلح ، ومن هذه النتائج والفوائد :
ألف ـ أن الصلح قد أفسح المجال أمام الكثير من المشركين والمسلمين للتلاقي في مكة وفي المدينة وغيرهما ، وطرح القضايا فيما بينهم على بساط البحث ، والتقى الأصدقاء والأهل ، وذوو الأرحام ببعضهم ، وبذلوا لهم النصيحة ، من موقع المحبة والإخلاص والصدق.
وقد أسهم كل ذلك : في اتضاح كثير من الأمور التي كانت مبهمة لدى المشركين فيما يختص بحقائق الإسلام ، وما يسعى إليه المسلمون. وتكونت لدى الكثيرين منهم قناعات جديدة سهلت عليهم الدخول في هذا الدين ، أو هي على الأقل قد أسهمت في تخفيف حدة العداء له ، والتقليل من