ونقول :
إن التأمل في هذا الذي جرى يدل دلالة واضحة على مكر هذا الرجل ، وعلى سوء سريرته ، حيث اختار هذه الطريقة التحريضية المثيرة ، التي من شأنها أن تلهب مشاعر الناس ، وتعجل باتخاذهم قرار الرفض ، تحت وطأة الشعور بالخوف والوجل من أمر مجهول لهم ، لم يطلعوا على أي شيء منه يفيد في طمأنتهم إلى مصيرهم ومستقبلهم معه ..
وقد كان بإمكانه أن يفعل كما فعل باذان ، وملك الحبشة ، وغيرهما من الملوك الذين أسلموا ، ولم يثيروا الناس من حولهم ، بل هم قد يسروا لهم سبيل الإيمان والهداية ، وأفسحوا لهم المجال في هذا الأمر ، بعيدا عن أجواء التشنج والإثارة والتحدي .. فأنار الله قلوبهم بالحق ، وفتح أعينهم على الخير ، وأسلموا لله رب العالمين ..
نعم ، إن ما فعله قيصر ، قد أوجب صدود الناس عن التفكير في حقيقة ما يعرضه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عليهم ، وأصبحوا يتعاملون بانفعال ، وبعصبية بالغة ، وبتحفظ شديد. وبذلك يكون قد أوصد أبواب الهداية إلى الله تعالى ، وحرمهم من بركاتها ..
وقد أكد هذا الصدود لديهم والإصرار على الممانعة منهم ، حين لوّح لهم بأن هذا النبي هو من قوم لم يكن يظن أن يكون منهم ، فأثار في نفوس أتباعه مشاعر الاستكبار ، والتعالي ، وساقهم إلى رفض الانصياع لنبي يخرج من قوم ليس لهم شأن ، ولا مقام ، ولا بد أن يعتبروا الانصياع لنبي من قوم لهم هذه الصفة نقيصة وعارا ، ولا يليق صدوره من أهل الشرف والشهامة ، والرياسة ، والزعامة.