وكان إليه أمور ديار مصر مفوضة هو والأمير سلار ، والناصر تحت حجرهما لا يقدر شبع بطنه إلا من تحت أيديهما.
فتقدم أمر الأمير بيبرس ألا يرمى الأصبع فى النيل ولا يعمل له عيد ، وندب الحجاب ووالى القاهرة لمنع الناس من الاجتماع بشيرا على عاداتهم ، وخرج البريديونى إلى سائر أعمال مصر وأعمال مصر ومعهم الكتب إلى الولاة باجهار النداء وإعلانه فى الأقاليم بأن لا يخرج أحد من النصارى ولا يحضر لعمل عيدا الشهيد.
فشق ذلك على أقباط مصر كلهم ، ممن أظهر منهم الإيمان ومن هو باق على نصرانيته ، ومشى بعضهم إلى بعض.
وكان منهم رجل يعرف بالتاج بن سعيد الدولة يعانى الكتابة ، وهو يومئذ فى خدمة الأمير بيبرس ، وقد احتوى على عقله ، واستولى على جميع أموره ، فما زال الأقباط بالتاج إلى أن تحدث مع مخدومه الأمير بيبرس فى ذلك ، وخيله من اتلاف مال الخراج إذا أبطل هذا العيد ، فإن أكثر خراج شبرا إنما يحصل من ذلك ، وقال له : متى لم يعمل العيد لا يطلع النيل [ق ٩٤ ب] فى تلك السنة ويخرب أقليم مصر لعدم طلوع النيل ، وهذه قاعدة مصر على ذلك.
فثبت الله الأمير بيبرس وقواه حتى اعترض عن جميع ما ذكره من زخرف القول ، واستمر على منع عمل العيد وقال للتاج : إن كان النيل لا يطلع إلا بهذا الأصبع فلا يطلع ، وإن كان الله تعالى هو الذى يطلعه ، فنكذب النصارى.
فبطل العيد من تلك السنة ، ولم يزل منقطعا إلى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. وعمر الملك الناصر محمد بن قلاوون الجسر فى بحر النيل ليرى قوة التيار عن القاهرة ، فطلب الأمير يبلغا اليحياوى والأمير الطنبغا الماردينى من السلطان أن يخرجا إلى الصيد ويغيبا مدة فلم يرضى السلطان بذلك وأراد صرفهما عن السفر. فقال لهما : نحن نعيد عمل عيد الشهيد حتى تفرجكما عليه خير من خروجكما إلى الصيد ، وكان قد قرب أوان وقت عيد الشهيد ـ فرضيا بذلك وأشيع فى الأقليم إعادة عيد الشهيد.
فلما كان [ق ٩٥ أ] اليوم الذى يعمل فيه ركب الأمراء فى النيل فى الشخانير ، واجتمع الناس من كل جهة على عادتهم كما كانوا يفعلون من المحرمات وأنواع المنكرات ، واتسع الأمر توسعا خرجوا فيه عن الحد فى كثرة المبالغة من التجاهر والتهتكات فوق ما كان يعمل واستمروا علي ذلك ثلاثة أيام.