فلابد من أخذ شىء من دقيق القمح ، واعجنه بماء النيل فى إناء فخار قد عمل من طين مر عليه النيل ، واتركه مغطى طول ليلة عيد ميكائيل ، فإذا وجدته يوم العيد قد اختمر بنفسه ، كان النيل فى تلك السنة ويعتبر مع ذلك بكرة يوم عيد ميكائيل إلى الهواء ، فإن مر طيابا فهو نيل جيد وأن هب غير طياب فهو نيل مقصر لا سيما أن هب مر يسبا فإنه يكون غير كاف ، ويعتبر [ق ٩٣ أ] أيضا إذا مطر مطر فى شهر بابه ولو مطر قليل ، فإنه ينظر أى يوم من أيام الشهر القبطى فى العدد فإنه يبلغ الويبة (١) القمح تلك السنة من الدراهم بعدد ما مضى من أيام شهر بابه. وقد جرب ذلك فى بعض السنين عند وقوع المطر فى بابه يوم الخمس عشر منها ، فابيعت الويبة القمح فى تلك السنة بخمسة عشر درهما.
وكان من انزه فرج مصر وهو اليوم الثامن من شهر بشنس أحد شهور القبط ، ويزعمون أن النيل بمصر لا يزيد فى كل سنة حتى يلقى النصارى فيه تابوتا من خشب فيه أصبع من أصابع من قد هلك من أسلافهم الموتى ، ويكون كذلك اليوم عيدا ترحل إليه النصارى من جميع القرى ، ويركبون فيه الخيل ويلعبون عليها ، وتخرج عامة أهل القاهرة ومصر على إختلاف طبقاتهم وينصبون الخيم على شطوط النيل ، فى الجزائر ، ولا يبقى مغن ولا مغنية ولا صاحب لهو ولا رب ملعوب ولا بغى ولا مخنث ولا ماجن ولا [ق ٩٣ ب] خليع ولا متفرج ولا فاسق ، إلا يخرج لهذا العيد. فيجتمع عالم عظيم لا يحصيهم إلا خالقهم ، وتصرف أموال لا تنحصر ويتجاهروا هناك ، بما لا يبتغى شرحه من المعاصى والفسوق ، وتثور فتن وتقتل اناس ، ويباع من الخمر خاصة فى ذلك اليوم بما ينيف على مائة ألف درهم فضة عنها خمسة آلاف دينار ذهبا ، وباع نصرانى فى يوم واحد بمائتى ألف درهم فضة من الخمر خاصة.
وكان اجتماع الناس لعيد الشهيد دائما بناحية شبرا من ضواحى القاهرة ، وكان اعتماد فلاحى شبرا دائما فى وفاء الخراج على ما يبيعونه من الخمر فى عيد الشهيد.
ولم يزل ذلك الحال على ما ذكر من الاجتماع إلى أن كانت سنة أثنين وسبعمائة ـ والسلطان يومئذ بديار مصر الملك الناصر محمد بن قلاوون والقائم بتدبير الدولة الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، وهو يومئذ أستا دار العالية (٢) بمصر ، والأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة بديار مصر فقام الأمير بيبرس المذكور [ق ٩٤ أ] فى أبطال ذلك قياما عظيما ،
__________________
(١) هو المكيال المعروف.
(٢) كلمة تركية وهى وظيفة قائد الحرس أو الكتيبة.