وتخلوا من أهلها فأمر عند ذلك بعمل هذه الأهرام وأن تعمل لها مسارب يدخل منها النيل إلى مكان ثم يفيض إلى مواضع من أرض المغرب وأرض الصعيد وبلادها ، وفيها من الطلمسات والعجائب وأموالا وأصناما وأجساد ملوكهم وفى سقوفها وحيطانها وأسطواناتها جميع العلوم الغامضة وفيها صور الكواكب كلها وكتب فيها أسماء العقاقير ومنافعها ومضارها ، وعلم الطلمسات وعلم الحساب وعلم الهندسة وجميع علومهم مفسرا لمن يعرف كتابتهم ولغتهم. ولما شرع فى بنائها أمر بقطع الأسطوانات العظام ونشر البلاط الهائلة واستخراج [ق ١٢٤ ب] الرصاص من أرض الغرب واحضار الصخور من ناحية أسوان فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة الشرقى والغربى والملون وكانت لهم صحايف وعليها كتابة إذا قطع الحجر وتم أحكامه وضعوا عليه تلك الصحايف وضربوه فيعدوا بتلك الضربة قدر مائة سهم ثم يعاودون ذلك مرات حتى يصل الحجر إلى الأهرام وكانوا يمدون البلاطة وتجعلون فيها نقبا بواسطها قطب من الحديد قائما ثم يركبون عليها بلاطة أخرى مثقوبة الوسط ويدخلون القطب فيها ثم يذاب الرصاص ويصب فى القطب إلى أن كملت وجعل لها أبوابا تحت الأرض بأربعين ذراعا. فأما باب الهرم الشرقى فأنه من الناحية الشرقية على مقدار مائة ذراع من وسط حائط الهرم. وأما باب الهرم الغربى فأنه من الناحية الغربية على مقدار مائة ذراع من وسط حائط الهرم. وأما الهرم الملوك فأنه من ناحية الجنوب على مقدار مائة ذراع وصل إلى باب الأزج المبنى ويدخل إلى باب الهرم وجعل ارتفاع كل واحد من الأهرام فى الهواء مائة [ق ١٢٥ أ] ذراع ، والذراع الملك بذراعهم وهو خمسمائة ذراع بذراعنا الآن وجعل طول كل واحد من جميع جهاته مائة ذراع بذراعهم ثم هندسوها من كل بجانب حتى تحددت أعاليها من أخر طولها على ثلاثمائة ذراع بذراعا ، وكان ابتداء بناءها فى طالع سعيد اجتمعوا عليه وخبروه.
فلما فرغت من بناءها كسوها ديباجا ملونا من فوقها إلى أسفلها وعمل لها عيدا ، حضره أهل مملكته بأجمعهم ثم عمل فى الهرم الغربى ثلاثين مخزنا من حجارة صوان ملونة ومليئة بالأموال الجمة والآلات والتماثيل المعمولة من الجواهر النفسية وآلات الحديد الفاخر من السلاح الذى لا يصد والزجاج الذى ينطوى ولا ينكسر وأصناف العقاقير المفردة والسموم القاتلة.
وعمل فى الهرم الشرقى أصناف القباب الفلكية والكواكب وما عملوه أجداده من التماثيل التى تتقرب بها إلى الكواكب ومصاحبها وكون الكواكب الثانية وما يحدث فى أدوارها وما عمل لها من التواريخ والحوادث التى مضت والأوقات التى ينتظر فيها ما يحدث وكل من [ق ١٢٥ أ] يلى أرض مصر إلى آخر الزمان وجعل فيها المظاهر التى فيها المياه المدبرة وما أشبه ذلك.