وفقد منهم عدد كثير فهلكوا عطشا وجوعا وقد بنى بعض ملوك الإسلام فى هذا المنار مسجدا وجعل فيه مرابطين للجهاد فى سنة تسع وسبعين ومائة سقط رأس المنار من زلزلة.
ويقال أن هذا المنار كان مبنيا بحجارة بينهما رصاص مذاب على قناطر من الزجاج وتلك القناطر على ظهر سرطان من الحديد ، وكان فى المنار ثلاثمائة بيت بعضها فوق بعض ، وكانت الدابة تصعد بحملها إلى سائر البيوت من داخل المنار ، ولهذه البيوت [ق ١٥٢ أ] طاقات تشرف على البحر.
وقال ابن وصيف شاه قد ذكر أخبار من بنى الإسكندرية أنه جعل فى وسطها قبة على أساطين من نحاس والقبة من ذهب ونصبوا فوقها مرآة من معادن شتى قطرها خمسة أشبار ، وكان أرتفاع القبة مائة ذراع فكانوا إذا قصدهم أحد من الأمم من البحر أو من البر عملوا لتلك المرآة عملا ، فالقت شعاعها على العدو وأحرقته ولم تزل هذه المرآة على حالها إلى أن غلب عليها البحر فنسفها.
ويقال أن الإسكندر بنى المنار الثانى على شبه المنار الأول ، وكان أيضا عليه مرآة يرى فيها من يقصدهم من بلد الروم فاحتال بعض ملوك الروم على قلعها فوجه من أزالها وكانت من زجاج مدبر وقيل من حديد الصينى وكان عرضها سبعة أشبار.
وقال المسعودى فى كتاب التنبية وقد كان وزير المتوكل عبد الله بن يحيى بن خاقان لما أمر المتسعين بالله بنفيه إلى برقة فى سنة ثمان وأربعين ومائتين سار إلى الإسكندرية من بلاد مصر فرأى حمرة الشمس على علو المنار التي كان بها [ق ١٥٢ ب] المغيب فقد رأنه يلزمه أن لا يفطر إذا كان صائما أو تغرب الشمس من جميع أقطار الأرض فأمر إنسانا أن يصعد إلى أعالى المنار ومعه حجر وأن يتأمل وقت سقوط الشمس فإذا سقطت رمى بالحجر ففعل الرجل ذلك. فلما غربت الشمس رمى بالحجر فى البحر فحسبوا عند ذلك بالدرج من المغرب إلى العشاء فإذا شعاع الشمس لا يغيب من على المنار إلا وقت دخول العشاء من عظم علوها.
وقد ذكر ارسطاطاليس فى كتاب الآثار العلوية أن بناحية المشرق الصيفى جبل شامخ جدا وأن من علامة ارتفاعه أن الشمس لا تغيب عنه إلا ثلاث ساعات من الليل وتشرق عليه قبل الصبح بثلاث ساعات. وكذلك المنار من بنيان العالم العجيب وكانوا ينظرون فى هذه المرآة مراكب البحر إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز عنها الأبصار ، فكانوا يستعدون لهم قبل ورودهم وطول المنار فى هذا الوقت علي التقريب مائتان وثلاثون ذراعا ، وكان طوله قديما نحو من أربعمائة ذراع فتهدمت علي [ق ١٥٣ أ] طول الزمان وترادف الزلازل والأمطار وكان لهذه