فلما أتى بأهل تلك النواحى عونا للمسلمين فساروا حتى فتحوا مدينة تنيس فعند ذلك برز شطا بن الهاموك على أهل تنيس وقاتلهم قتالا شديدا حتى قتل رحمة الله عليه فى تلك المعركة ودفن فى مكانه المعروف به الآن خارج عن دمياط ، وكان قتله فى ليلة الجمعة في النصف من شعبان فلذلك صارت هذه الليلة له فيها كل سنة موسما يجتمع إليه الناس من سائر النواحى يقصدون ديارة شطاوهم علي ذلك إلى يومنا هذا. وما زالت دمياط بيد المسلمين إلى أن نزل عليها الروم في سنة تسعين من الهجرة وأسروا خالد بن كيسان (١) وكان على البحر هناك ولما كانت خلافة هشام بن عبد الملك نزلوا الروم أيضا على دمياط في ثلاثمائة وستين مركبا ، فقتلوا وسبوا ، وذلك فى سنة إحدى وعشرين ومائة.
[ق ١٨٤ أ] ثم لما كانت خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله ، وأمير مصر يومئذ عنبسة بن إسحاق ، نزل الروم دمياط يوم عرفة من سنة ثمان وثلاثين ومائتين ، فملكوها وما فيها ، وقتلوا بها جمعا كثيرا من المسلمين ، وسبوا النساء والأطفال وأهل الذمة ، فنفر إليهم عنبسة بن إسحاق يوم النحر فى جيشه ، وونفر كثير من الناس إليهم فلم يدركوهم ، ومضى الروم الى تنيس فأقاموا بأشتومها ، فلم يتبعهم عنبسة.
فأمر المتوكل ببناء حصن دمياط ، فابتدىء فى بنائه يوم الأثنين لثلاث خلون من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين ، وأنشأ من حينئذ الأسطول بمصر.
فلما كان فى سنة سبع طرق الروم دمياط فى نحو مائتى مركب ، فأقاموا يعيشون فى السواحل شهرا ، وهم يقتلون ويأسرون ، وكانت للمسلمين معهم معارك ثم لما كانت الفتن بعد موت كافور الأخشيدى ، طرق الروم دمياط لعشر خلون من رجب سنة سبع وخمسين وثلاثمائة فى بضع وعشرين مركبا ، فقتلوا [ق ١٨٤ ب] وأسروا مائة وخمسين من المسلمين.
وفى سنة ثمان وأربعمائة ، ظهر بدمياط سمكة عظيمة طولها مائتان وستون ذراعا ، وعرضها مائة ذراع ، وأقام أهل تلك النواحى مدة طويلة يأكلون من لحمها وفى أيام الخليفة الفائز بنصر الله عيسى والوزير حينئذ الصالح طلائع بن رزبك ، نزل على دمياط نحو ستين مركبا فى جمادى الآخرة سنة خمسين وخمسمائة بعث بها لوجيز بن رجا وصاحب صقلية ، فعاثوا وقتلوا ونزلوا تنيس ورشيد والإسكندرية فأكثروا فيها الفساد.
[ق ١٨٥ أ] ثم كانت خلافة العاضد لدين الله فى وزارة شاور بن مجير السعدى الوزارة
__________________
(١) هو خالد بن كيسان حجازى روى ابن عنر وابن الزبير ، وعنه أيوب بن ثابت المكي ، ثقة.