وأسرفوا فى القتل والنهب والسبى ، فرحل السلطان بعد أخذ دمياط (١) بيومين ونزل قباله طلخا على رأس بحر أشموم وبحر دمياط وهى التى يقال لها المنصور.
ولما ملكوا الفرنج دمياط وجعلوا الجامع كنيسة وحصنوا سورا المدينة ، فسير السلطان الكتب إلى الأفاق يستحث الناس على الحضور لدفع الفرنج عن ملك مصر. وبنى بالمنصورة الأسواق والفنادق والحمامات وغير ذلك ، ثم حضرت العربان من الصعيد وأعملها وأسوان وسائر النواحى ، ونودى بالنفير العام ، فاجتمع عالم لا يعلم عدده إلا الله.
وسار السلطان إلي الفرنج وقد تكامل معه من العساكر نحو أربعين ألف فارس فتحاربوا مع الفرنج ، وجرى بينهم من القتال ما يطول شرحه ، فعند ذلك اينوا الفرنج بالهلاك ، وأرسلوا يطلبوا من السلطان الأمان على أن يتركوا [ق ١٨٨ أ] دمياط للمسلمين ويرحلوا عنها ، فعند ذلك اتفق الحال على أن يعطى كل من الفريقين المسلمون ، والفرنج رهائن منهم ، فسير ملك الفرنج عشرين ملكا الصالح نجم الدين أيوب مع جماعة من الأمراء إلى ملك الفرنج رهنا ، كما اتفقوا فعند ذلك سلموا الفرنج دمياط إلى المسلمين وكان يوم تسليمها يوما عظيما ولما تسلموا المسلمين دمياط قدمت نجدة من البحر إلي الفرنج ، فكان من جميل صنع الله تأخرها إلى حين تسلموا المسلمين دمياط ، فإنها لو قدمت قبل ذلك تقوى بها الفرنج ، وكان مما وقع عليه الصلح أن كلا من المسلمين والفرنج يطلق من عنده من الأسرى ، وحلف السلطان والفرنج على ذلك ، ورحلوا الفرنج من علي دمياط وبعثوا ولد السلطان ومن معه من الأمراء ، وأرسل السلطان من عنده من ملوك الفرنج ، وأطلقوا الفرنج الأسرى الذى كانوا عندهم من أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، ودخل الملك الكامل إلى دمياط وكان يوم دخوله إليها من الأيام المعدودة وعمت [ق ١٨٨ ب] البشاير فى سائر الآفاق بأخذ مدينة دمياط من يد الفرنج بعد ما كانوا قد أشرفوا علي أخذ ديار مصر من أيدى المسلمين ، وكانت مدة نزول الفرنج علي دمياط إلى أن رحلوا عنها إلى بلادهم ثلاثة سنين وأربعة أشهر وتسعة عشر يوما ، منها مدة استيلائهم على مدينة دمياط سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرون يوما ، ثم طرقت الفرنج دمياط أيضا فى أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل ابن الملك العادل وذلك فى دولة الأكراد فوصل إلي دمياط ملك من ملوك الفرنج يقال له ريدافرنسيس فأتا فى مراكب كثيرة مشحونة بالعساكر العظيمة ، قلما وصلوا إلى ثغر دمياط أرسل ريدافرنسيس كتابا يهدده فيه وينذر بكثرت عساكره وأخذه لبلاد الأندلس ، وما جرى على أهلها منه ، وحذر فيه من ذلك غاية الحذر.
__________________
(١) وردت على هامش المخطوطة.