فلما سمعوا أهل دمياط بذلك هربوا تحت الليل هم والعساكر المصرية ، فلما أصبحوا الفرنج يوم الأحد سابع شهر صفر قصدوا دمياط فإذا أبواب المدينة مفتوحة ولا فيها أحد ، فظنوا الفرنج [ق ١٨٩ أ] أن ذلك مكيدة من المسلمسن ، وتمهلوا حتى ظهر لهم خلوها ، فدخلوا إليها غير مانع ولا مدافع ، واستولوا علي ما فيها من الأسلحة وغيرها ، فارتجت مصر بأهلها وعظمة المصيبة ، لأن السلطان كان على غير استواء من مرض نزل به. فعند ذلك حنق السلطان على أهل دمياط بسبب خروجهم من دمياط بغير إذن وأمر بشنق من كان بها من الأمراء الكنانية ، فكان عدة من شنق منهم ما يتبيق عن خمسين أميرا فى ساعة واحدة ، وكان فيهم أمير له ولد جميل ، فسأل أن يشنق هو قبل أبيه فأمر السلطان أن يشنق أبنه قبله فشنق الأبن قبل الأب. فلما رأوا ذلك بقية العسكر نفرت قلوبهم عن السلطان ، وهموا بالقيام عليه فأشار بعض الأمراء بعدم ذلك. وقال السلطان علي خطه فإن مات فقد كفيتم أمره وإن عاش فهو بين أيديكم ، وأمر السلطان بتحصين سور المنصورة وسار إليها فى محفة ، وأمر بجمع العساكر وأهل النواحي من العربان وغيرهم ، فاجتمع من ذلك خلق لا تحصى عددهم ، وأخذوا [ق ١٨٩ ب] الفرنج فى تحصين أسوار مدينة دمياط بالمقاتلين والآلات ودام بين الفريقين الحرب والقتال ، وصاروا دول ياسروا من دول ودول ياسروا من دول هذا ، ومرض السلطان يتزايد وقوته تتناقص حتى ايس منه الأطباء. فلما كانت ليلة الأحد الرابع عشر من شعبان مات الملك الصالح بالمنصورة فلم يظهروا موته وحمل فى الليل إلى القاهرة ، ودفن ولم يعلم أحدا بموته وأقام بأمر العساكر الأمراء والمماليك البحرية وكتم موت السلطان الملك الصالح وهو توارن شاه وكان على حصين كيفا وكان في ذلك المدة يخرج مراسيم السلطان بالعلامة فلا يشك من رأها أنها خط السلطان الملك الصالح ، وكان المدبر للمملكة يومئذ الأمير حسام الدين لاجين ، ولم يعلم أحد من القاهرة بموت السلطان إلى حين قدم ولده توران شاه من حصن كيفا ، وولى الملك بعد أبيه الملك الصالح ولقب بالملك المعظم توران شاه فعند ذلك أشيع موت الملك الصالح رنادى المنادى بالدعاء للسلطان الملك المعظم توران شاه. وصارت [ق ١٩٠ أ] له الخطبة ونقش باسمه على السكة ، فلما علموا الفرنج بموت السلطان طمعوا فى أخذ مصر ، ووصلوا إلي المنصورة وجرى بينهم وبين المسلمين وقعة عظيمة يطول شرحها ، واستشهد بها من الأمراء والمماليك والناس خلق كثير وأسر من الفرنج سبعة وستين أسيرا ، ومن ملوكهم ثلاثة وقتل من الفرنج خلق كثير. وكاد أن يمحوا الفرنج كلمة الإسلام ولم يبق من دخولهم إلى ديار مصر إلا شىء يسير فإذن الله سبحانه وتعالى بالنصر على يد الأمير بيبرس البندقدارى ومن معه من المماليك البحرية والجمدارية الذى استجدهم الملك الصالح فحملوا على الفرنج حملة واحدة بالسيوف والدبابيس