وامتنع من دخول المراكب إليه وهو إلى اليوم على ذلك لا يقدر المراكب الكبار أن تدخل فيه ، وإنما ينقل ما فيها من البضائع في مراكب صغار ، وتصير المراكب واقعة في البحر المالح عند فم بحر النيل ، قريبا ملتقى البحرين. وكان فى قديم الزمان على فم بحر النيل من ثغر دمياط سلسلة من حديد من البر إلى البر ، وذلك فى زمان القبط الذى كانوا على مصر فى زمان المقوقس ، وكان على دمياط ملك يقال له الهاموك وقد تقدم ذكره فى أول فتح دمياط ، وقد صارت دمياط تتزايد بالعمارة من دولة الملك الظاهر بيبرس إلى يومنا [ق ١٩٤ أ] هذا ، وقد صار فيها الأسواق والحمامات والجوامع والمدارس ودورها تشرف على بحر النيل ، ومن ورائها البساتين وقد صارت من أحسن بلاد الله منظرا. وقد قال فيها الشيخ شهاب الدين المنصورى الشهير بالهايم شعر :
لعمرك ما دمياط إلا جندنة |
|
تهيم الورى منها بأحسن منظر |
وذات جمال أن تبسم ثغرها |
|
تبسم من مغناه عن عقد جوهر |
لها ناظر منه تصول بأبيض |
|
وتطعن من فتح القوام باسمر |
وقد قال من طاف بلد الشمال إلى سمرقند ما رأى أحسن من دمياط ولا أحسن من بساتينها ولا من حسن منظرها. وقد قال الشيخ شهاب الدين المقريزى : قد كنت أقول أن دمياط ليس بها هذا الوصف العظيم إلى أن شاهدتها فإذا هى جنة على وجه الأرض ، ليس فى ملك مصر أعظم رؤيا منها وفيها قلت عند رؤيتها بشعر.
[ق ١٩٤ ب]
سقى عهد دمياط وحياة من عهد |
|
فقد زادني ذكره وجداه على وجد |
ولا زالت الأنواء سقى سحابها |
|
ديارا حكمت من حسنها جنة الخلد |
فيأحسن هاتيك الديار وطيبها |
|
فكم قد حوت حسنا نجل عن الحد |
ولا سيما تلك النواعير أنها |
|
تجدد حزن الواله المدنف الفرد |
أطارحها شنجوى وصارت كأنما |
|
تطارح شكواها بمثل الذى ابدى |
ونوفرها الريان يحكى ميتما |
|
تبدل من وصل الأحبة بالصد |