وبنى أيضا هيكلا على جبل القصير للسحرة فكانوا لا يطلقون الرياح للمراكب المقلعة إلا بضريبة [يأخذونها](١) منهم للملك.
وبني أيضا [مناوس] بن منقاوس في صحراء الغرب مدينة بالقرب من مدينة السحرة تعرف بقنطرة ، ذات عجائب وجعل في وسطها قبة عظيمة عليها كالسحابة تمطر شتاء وصيفا [ق ٣٥ ب] مطرا خفيفا ، وتحت القبة مطهرة فيها ماء أخضر يداوى به من كل داء فيبريه. وفى شرقيها بربا لطيفا لها أربعة أبواب ، لكل باب منها عضادتان ، في كل عضادة صورة وجه يخاطب كل واحد منهما صاحبه بما يحدث يومه ، فمن دخل البربا علي غير طهارة [نفخا فى وجهه فزصابه رعدة فظيعة لا تفارقه حتي يموت](٢).
وكانوا يقولون أن في وسطه مهبط النور في صورة العمود من اعتنقه لم يحتجب عن نظرة شىء من الروحانية ، وسمع كلامهم ، ورأى ما يعملون.
وعلى كل باب من أبواب هذه المدينة صورة راهب في يده مصحف فيه علم من العلوم فمن أحب معرفة ذلك العلم وضعه على صدره.
وحكي عن رجل أنه أتي عبد العزيز بن مروان (٣) وهو أمير مصر فعرفه أنه تاه في صحراء الشرق ، فوقع علي مدينة خراب فيها شجرة تحمل كل صنف من الفاكهة ، وأنه أكل منها وتزود.
فقال له رجل من القبط : هذه إحدي مدينتي هرمس وفيها كنوز كثيرة. فوجه عبد العزيز معه جماعة معهم ماء وزاد ، فأقاموا يطوفون تلك الصحارى نحو شهرا فلم يقفوا لها على أثر.
وعملت أم ميلاطس الملك بركة عظيمة في صحراء الغرب ، وجعلت في وسطها عمودا [ق ٣٦ أ] طوله ثلاثون ذراعا ، وفي أعلاه قصعة من حجارة يفوز منها الماء فلا ينقص أبدا.
__________________
(١) إضافة من الخطط.
(٢) وردت على هامش المخطوطة.
(٣) هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية أبو الأصبع أمير مصر ، ولد فى المدينة وولى مصر لأبيه استقلالا سنة ٦٥ ه ، فسكن حلوان وأعجبته ، فبنى فيها الدور والمساجد وغرس بها كراما ونخيلا ، وتوفى فيها فنقل إلى الفسطاط ، كان يقظا عارفا بسياسة البلاد ، شجاعا جوادا تنصب حول داره كل يوم ألف قصعة للأكلين وتحمل مئة قصعة على العجل إلى قبائل مصر. واستمر إلى أن توفى سنة ٨٥ ه / ٧٠٤ م.