قال يزيد بن أبي حبيب : أن نساء القبط على ذلك [ق ٤٣] إلى اليوم أتباعا لمن مضى منهم ، لا يبيع أحدهم ولا يشترى إلا قال استأمر امرأتى حتي بلغ صبي من أكابرهم وأشرافهم ، يقال له دركون بن بلوطس فملكوه عليهم.
فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحوا من أربعمائة سنة. وكلما انهدم من ذلك البربا شيء من الذى فيه الصور ، لم يقدر أحد على إصلاحه إلا تلك العجوز وولدها وولد ولدها ، وكانوا أهل بيت لا يعرفون ذلك غيرهم ، فانقطع أهل ذلك البيت ، وانهدم من البربا موضع في زمان لقاس بن مرنيوس فلم يقدر أحد علي إصلاحه ومعرفة علمه وبقى على حاله وانقطع ما كتانوا يقهرون به الناس.
فلما قدم بختنصر بيت المقدس وظهر علي بنى إسرائيل وسباهم ، وخرج [بهم] من أرض بابل ، قصد مصر وخرب مدائنها وقراها ، وسبى جميع أهلها ولم يترك بها شيئا حتى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها مساكن ويجري نيلها ويذهب لا ينتفع ، ثم رد أهل مصر إليها بعد أربعين نسة فعمروها.
وقال بعض الحكماء : رأيت البرابي وأخذت أتأملها فوجدتها مشتملة على جميع أشكال الفلك والذى ظهر أنه لم [ق ٤٤ أ] يعملها حكيم واحد ولا ملك واحد ، بل تولى عملها قوم بعد قوم حتى تكاملت في دور كامل وكانوا يجعلون الكتاب حفرا نقرا في الصخور ونقشا في الحجارة وحلقته مركبة في البنيان يريدون بذلك تخليد ذكرهم.
وقد كتب غير المصريين كذلك كما كتبوا على قبة غمدان وعلى باب القيروان وعلي باب سمرقند وعلى عمود مأرب وعلى ركن المقشر وعلى الأبلق المفرد وعلى باب الرها فكانوا يعمدون إلى الأماكن المشهورة والمواضع المذكورة فيضعون الخط في أبعد المواضع من الدثور وأمنعها من الدروس.
قال المسعودى : وأتخذت دلوكة بمصر البرابى والصور ، وأحكمت آلات السحر ، وجعلت في البرابي صور من يرد من كل ناحية ودوابهم أبلا كانت أو خيلا ، وصورت فيها من يرد من البحر من المراكب من بحر الغرب والشرق وجمعت فى هذا البرابي العظيمة المشيدة البنيان أسرار الطبيعة وخواص الأحجار وجعلت ذلك فى أوقات فلكية ، وأيضا لأنها بالمؤثرات العلوية فكانوا إذا أورد إليهم جيش من نحو الحجاز واليمن عورت تلك الصور التى في البريا من الإبل