وقال آخرون هذه الأنهار من ثلوج تتكاثف ويذيبها الحر فتسيل إلى هذه الأنهار ويشقى من عليها لما يريد الله عز وجل من تدبير خلقه قالوا : ولما بلغ الوليد جبل القمر راق جبلا عظيما عاليا إلى الحيلة إلي أن صعد إليه ليرى ما خلفه فاشرف على البحر الأسود الزفتي المنتن ، ونظر إلي النيل يجري عليه [ق ٥٧ ب] كالخيوط الرقاق فأتته من ذلك البحر روائح منتنه ، هلك كثيرا من أصحابه من أجلها فأسرع النزول بعد أن كاد يهلك.
وذكر قوم أنهم لم يروا هناك شمسا ولا قمرا إلا نورا أحمر كنور الشمس عند غيابها.
وأما ما ذكروه عن حايد وقطعة البحر المظلم ماشيا عليه لا يلصق بقدميه منه شىء ، وأنه سأل الله تعالى أن يريه منتهي النيل فأعطاه قوة علي ذلك فيقال أنه أقام يمشى عليه ثلاثين سنة فى عمران ، وعشرين سنة في خراب ، قالوا : وأقام الوليد في غيبته أربعين سنة وعاد ودخل منف وأقام بمصر وأستعبد أهلها واستباح حرمهم وأموالهم وملكهم مائة وعشرة سنين فابغضوه وسيموه إلي أن ركب في أيامه متصيدا فألقاه فرسه في وهذه فقتله واستراح الناس منه.
وقال قدامة بن جعفر (١) في كتاب الخراج : انبعاث النيل من جبل القمر وراء خط الأستواء من عين تجري منها عشرة أنهار ، كل خمسة منها تصب إلي بطيحة ثم يخرج من كل نهران ، وتجرى الأنهار [ق ٥٨ أ] الأربعة إلي بطيحة كبيرة في الأقليم الأول ، ومن هذه البطيحة يخرج نهر النيل.
وقال في كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الأوفاق» أن هذه البحيرة تسمي بحيرة كوري منسوبة لطائفة من السودان يسكنون حولهما متوحشين يأكلون من وقع إليهم من الناس ، ومن هذه البحيرة يخرج نهر غانة وبحر الحبشة ، فإذا خرج النيل منها يشق بلاد كورى ولهم طائفة من السودان بين كاتم والنوبة ، فإذا بلغ دنقلة بمدينة النوبة ـ عطف من غريبها وأنحدر إلي الأقليم الثانى ، فيكون على شيطه عمارة النوبة ، وفيه هناك جزائر متسعة عامرة بالمدن والقرى ، ثم تشرق إلى الجنادل.
وقال المسعودى : رأيت في كتاب جغرافيا : أن النيل مصورا ظاهرا من تحت القمر
__________________
(١) هو أبو القاسم من كبار الكتاب من أهل بغداد له شعر رقيق ومصنفات فى صنعة الكتابة وغيرها روى عنه أبو الفرج الأصبهانى ، مات سنة ٣١٩ ه / ٩٣١ م.