يصير الماء عند كسر كل سد من الأسداد في كل خليج ، ثم يفتح ترع من الخليج إلى الخليج إلي ما علي جانيبه من الأراضى حتي تروى ، فمن تلك الأرض ما يروي سريعا ، ومنها ما يروى [ق ٦٥ ب] بعد أيام. ومنها ما يروى لعلوه.
وأما قوله «أن جميع تلك المشارب تسند عند إبتداء صعود النيل ، ليجتمع ما يسيل من الماء في النيل ويكثر ، فيعم جميع أرضهم وليمنع بجملته دخول الماء المالح عليه». فغير مسلم أن تكون السداد كما ذكرنا بل أراضى مصر أقسام كثيرة ، منها عال لا يصل إليه الماء إلا من زيادة كثيرة ، ومنها منخفض يروى من يسير الزيادة ، والأراضى متفاوته في الأرتفاع والإنخفاض تفاوتا كثيرا ، ولذلك احتيج في بلاد الصعيد إلى حفر التروع وفي أسفل الأرض إلي عمل الجسور حتى تحبس الماء ليتصرف فيه أهل النواحي على قدر حاجتهم إليه عند الاحتياج وإلا فهو يزيد أولا في غير وقت سقي الأراضى ، حتي إذا اجتمع من زيادته المقدار الذى هو كفاية الأراضى فى وقت خلو الأرض من الغلال ـ وذلك غالبا في أثناء شهر مسرى فتح حينئذ الخليج حتى يجرى فيه الماء إلى حد معلوم ، ووقف حتي يروي ما تحت ذلك الحد الذي وقف عنده الماء من الأراضى ، ثم فتح ذلك الحد في [ق ٦٦ أ] يووم النيروز (١) حتي يجري الماء إلي آخر يقف عنده حتي يروي ما تحت هذا الحد الثانى من الأراضي ، ثم يفتح هذا الحد في يوم عيد الصليب بعد النيروز بسبعة عشر يوما حتى يجرى الماء ، ويقف علي حد ثالث حتي يروي ما تحت هذا الحد من الأراضى ، ويصيب في بحر المالح ... هذا هو الحال في سدود وأراضى مصر.
وقول «أن ماء البحر يصعد أكثر من عشرين ميلا في رشيد وتنيس ودمياط ، فلو كان خاليا من الماء العذب لوصل البحر من أسوان إلى منتهى بلوغ الردع» فيقول : هذا قول من لم يعرف أرض مصر ، فإن النيل عندهم مصبه بأعمال أسوان يكون أعلا منه عند كونه أسفل الأرض بقامات عديدة فإذا فاض ماء البحر حبسه أن يتدافع هو وماء النيل فيما بين دمياط وفارسكور. وأما في أيام زيادة. النيل فإنه شوهد مصب النيل في البحر من دمياط ، وكل منهما يدافع الآخر فلا يطيقه ، حتى صارا متمانعين وفي منظرهما حينئذ عبرة لمن اعتبر.
__________________
(١) أحد أعياد الفرس المشهورة.