وقيل إنهم كانوا يقيسون الماء قبل أن يوضع المقياس بالرصاصة ، فلم يزل المقياس فيما مضي قبل الفتح بقيسارية الأكسية ومعالمه هناك إلى أن بني المسلمون بين الحصين والبحر أبنيتهم الباقية الآن.
وكان للروم أيضا مقياسا بالقصر خلف الباب يمنه من يدخل منه في داخل الزقاق أثره قائم إلي اليوم ، وقد بني عليه وحوله ، ثم بني عمرو بن العاص عند فتحه مصر قياسا بأسوان ثم بني بموضع يقال له دندرة.
ثم بني في أيام معاوية مقياس بأنصنا ، فلم يزل يقاس عليه إلي أن بنى عبد العزيز بن مروان مقياسا بحلوان وكانت منزله ، وكان هذا المقياس صغير الذراع.
فأما المقياس القديم الذى بني في الجزيرة فالذي وضعه أسامة بن زيد ، وقيل أنه كسر فيه ألفى أوقية ، وهو الذي بني بيت المال بمصر ثم [ق ٦٩ أ] كتب أسامة بن زيد التنوخي عامل مصر لسليمان بن عبد الملك ببطلانه وكتب إليه سليمان بأن يبنى مقياسا في الجزيرة فبناه في سنة سبع وتسعين.
ثم بني المتوكل فيها مقياسا أول سنة سبع وأربعين ومائتين فى ولاية يزيد بن عبد الله التركي علي مصر وهو المقياس الكبير المعروف بالجديد ، وأمر بأن يعزل النصارى عن قياسه ، فجعل زيد بن عبد الله على المقياس أبا الرداد المعلم واسمه عبد الله بن عبد السلام بن عبد الله ابن أبي الرداد المؤذن كان يقال أصله من البصرة وقدم مصر وأقام بها ، وجعل علي قياس النيل وأجري عليه سليمان بن وهب صاحب خراج مصر يومئذ سبعة دنانير في كل شهر ، فلم يزل القياس منذ ذلك الوقت في يد أبي الرداد وولده إلي اليوم وتوفي أبو الرداد في سنة ست وستين ومائتين.
ثم ركب أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين [ق ٦٩ ب] ومعه أبو أيوب صاحب خراجه وبكار بن قتيبة (١) القاضى فنظر إلي المقياس وأمر بإصلاحه وقدر له ألف ينار فعمر بها وبني الخازن في الصناعة مقياسا وأثره باق لا يعتمد عليه.
__________________
(١) هو بكار بن قتيبة بن أسد أبو بكرة من بنى الحارث بن كلدة الثقفى قاض محدث ولي القضاء بمصر للمتوكل العباسي سنة ٢٤٦ ه ، ولما صار الأمر إلي أحمد بن طولون بمصر ، أمره بخلع الموفق من ولاية العهد ، فامتنع بكار فاعتقله فأقام في السجن يقصده الناس يروون عنه الحديث ويفتيهم ، وهو باق علي القضاء إلي أن توفي في سجنه بمصر ، ومولده في البصرة سنة ١٨٢ ه / ٧٩٨ م ، ومات سنة ٢٧٠ ه / ٨٨٤ م ، له كتب منها الوثائق والعهود في الفقه.