حيران : أحسن ما يقولون : نعم لا تحصى من خزائن [الله] لا تغنى زاد الله في النيل المبارك كذا وكذا.
وقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في منادى البحر.
قد قلت لما أتي القياس في يده |
|
عود بماء النيل قد عودى وقد نودى |
أيام سلطاننا سعد السعود وقد |
|
صح القاس بجرى الماء فى العود |
وقال المسعودى : ومن عادة نيل مصر إذا كان عند إبتداء زيادة النيل يخضر ماء النيل ، فتقول عامة أهل مصر قد توحم النيل ، ويرون أن الشراب منه حينئذ مضر.
وفى ذلك يقول ابن خطيب داريا :
عجب لنيل ديار مصر لأنه |
|
عجب إذا فكرت فيه يعظم |
يطاء الأرضى فهى تلقح دائما |
|
من مائه وهو الذى تتوحم |
والسبب في أخضراره أن الوحوش ترد البطيحات التي في أعالي النيل وتستنقع فيها من [ق ٧٧ أ] كثرة عددها لشدة الحر هناك فيتغير ماء تلك البطيحات من ذلك الوحوش ، ولا سيما الفيلة فإذا وقع في الجبهة الجنوبية في أوقات معلومة تكاثرت السيول هناك فيخرج من تلك البطيحات ، ما كان فيها من الماء الذى منقطع بها وقد تغير بسبب ما ذكرناه من الوحوش فيمر إلى أرض مصر وهو مغير اللون والطعم ويجىء عقيبه الماء الجديد من كثرت السيول وهو الزيادة بمصر فحينئذ يكون محمر اللون لما يخالطه من الطين الحر الذى تأتي به السيول. فإذا تناهت زيادته غشى أرض مصر فتصير القرى التي في الأقاليم فوق التلال والروابي قد أحاط بها الماء فلا يوصل إليها إلا في المراكب أو علي الجسور الممتدة المقدم ذكرها.
وكان للمقياس في الدولة الفاطمية معلوم منها لكنس مجارى ماء النيل للمقياس في كل سنة مائة دينار تصرف من الذخيرة لأبي الرداد ، وكان يأتي من مدينة قوص مركب صغير تسمى المفرد تبشر بوفاء [ق ٧٧ ب] النيل قبل أن يبشر ابن أبي الرداد بثلاثة أيام ، وكان لها علي الذخيرة معلوم يسمي المفرد ، وكان لها أيضا علي أرباب الدولة معلوم في كل سنة فبطل ذلك من مصر ما بطل ، وللشعراء في ذلك تغزلات كثيرة. فمن ذلك قول الأديب الفقيسي (١).
__________________
(١) له ذكر في حسن المحاضرة للسيوطى.