وقال بعض المفسرين أن يوم الوفاء النيل هو اليوم الذي وعد فرعون ـ موسى عليه السلام ـ بالاجتماع وذلك قول الله تعالي حاكيا عن فرعون (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ، وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)(١) ، وقد جرت العادة أن اجتماع الناس يكون في هذا الوقت.
ومن أحسن السياسات في أمر النداء على النيل ما حكاه الفقيه [ق ٧٦ أ] ابن زولاق (٢) في سيرة المعز لدين الله.
قال وفي هذا الشهر يعنى شوال سنة سنة أثنتين وستين وثلاثمائة منع المعز لدين الله من النداء بزيادة النيل ، وألا يكتب بذلك إلا إليه وإلي القائد جوهر ، فلما [أباح النداء] يعنى لما تم ست عشرة ذراعا وكسر الخليج ، فانظر وتأمل إلي حسن هذه السياسة ، فإن الناس دائما إذا توقف النيل في أيام زيادته يقلقون من ذلك ويحدثهم أنفسهم بعدم طلوع النيل في تلك السنة ، فيقبضون أيديهم علي الغلال ويمتنعون من بيعها ، ويجتهد كل من كان معه مال في اختزان الغلال.
أما لطلب لربح أولاد خار قوت عياله فيحدث بذلك الغلاء في البلد ، فإن زاد المال انحل السعر ، وأن توقف ونزل والعياذ بالله وقع الغلاء والقحط في البلد ، فمن أجل ذلك كتم أمر زيادة النيل عن العامة خوفا مما ذكرنا في إضطراب البلد وتشحط الغلات فكان في أيامه لا يطلع على زيادة النيل غيره ، وهذا من أعظم فائدة وأجل عائد.
وقال المسبحى (٣) في تاريخ مصر [ق ٧٦ ب] : وخرج الأمر من عند بعض ملوك مصر إلي ابن حيران بتحرير ما يستفتحون به القياسون في كلامهم إذا نادوا علي النيل. فقال ابن
__________________
(١) ٥٩ ك طه : ٢٠.
(٢) هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن من ولد سليمان بن زولاق الليثى بالولاء أبو محمد مؤرخ مصرى ، زار دمشق سنة ٣٣٠ هظ ، وولى المظالم في أيام الفاطميين بمصر ، وكان يظهر التشيع لهم. من كتبه خطط مصر وأخبار قضاة مصر ومختصر تاريخ مصر ولد سنة ٣٠٦ ه / ٩١٩ م ومات سنة ٣٨٧ ه / ٩٩٧ م.
(٣) هو محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحى عز الملك أمير مؤرخ عالم بالأدب كان على زى الأجناد أصله من حران ومواده سنة ٣٦٦ ه / ٩٧٧ م ووفاته سنة ٤٢٠ ه / ١٠٢٩ م اتصل بخدمة الحاكم بن العزيز العبيدى صاحب مصر وحظى عنده ، وكانت له معه مجالس ومحاضرات ، وقلده البهنسا ثم ولاه ديوان الترتيب.
له عدة مصنفات منها «تاريخ المغاربة» «ومصر والتصريح» «والقضايا الصائبة» وغيرهم.