استدعاه المعتضد فقام وأمرني ألا أبرح فجلست وامتدت العيون إليّ وخوطبت في الوقت بأجل خطاب وعوظمت ، ثم عاد عبيد الله ضاحكا وأخذ بيدي إلى دار الخلوة وقال : ويحك إن الخليفة استدعاني بسببك وذلك أنه كوتب بخبرنا وخبر قيامي لك في مجلس الوزارة ، فلما استدعاني الآن بدأ ينكر عليّ وقال : تبذل مجلس الوزارة بالقيام لتاجر ، ولو كان هذا لصاحب طرف كان محظورا أو ولي عهد كان كثيرا ، واحذر تتجاوز ذلك ، فقلت : يا أمير المؤمنين! لم يذهب على حق المجلس وتوفية الرتبة حقها ، ولكن لي عذر ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يسمعه ثم ينفذ (١) حكمه فيّ ، أخبرته بخبري معك واستتاري عندك ، فقال : أما الآن فقد عذرتك ولكن لا تعاود ، فانصرفت ؛ ثم قال لي عبيد الله : يا أبا عبد الله! إني قد شهرتك شهرة إن لم يكن معك مائة ألف دينار معدة للنكبة هلكت ، فيجب أن تحصلها لك لهذه (٢) الحال فقط ، ثم يحصل لك نعمة بعدها تسعك وعقبك ، فقلت : أنا عبد الوزير وخادمه ومؤمله ، فقال : هاتوا (٣) فلانا الكاتب! فجاء فقال : أحضر التاجر الساعة نسعر مائة ألف كر من غلات السلطان بالسواد [عليهم] (٤) ما تساوي وعرفني ، فخرج وعاد بعد ساعة وقال : قد قررت (٥) ذلك معهم ، فقال له : بع على أبي عبد الله هذه المائة الألف الكر ينقصان دينار واحد مما قررت به السعر مع التجار وبعه له عليهم بالسعر المقرر معهم وطالبهم أن يعجلوا له فضل ما بين السعرين اليوم وأجرهم بالثمن إلى أن يستلموا الغلات واكتب إلى النواحي بتقبيضهم إياها ، قال : ففعل ذلك وقمت من المجلس وقد وصل إلى مائة ألف دينار في بعض يوم وما عملت شيئا ، ثم قال لي : اجعل هذه أصلا لنعمتك ومعدة لنكبة ولا يسألنك أحد من الخلق شيئا إلا أخذت رقعته ووافقته على أجرة ذلك وخاطبني (٦) ، قال : كنت أعرض عليه في كل يوم ما يصل إليّ بما فيه ألوف دنانير وأتوسط الأمور الكبار وأداخل في المكاسب الجليلة حتى بلغت النعمة إلى هذا الحد ، وكنت ربما عرضت عليه رقعة فيقول : كم ضمن لك عليها ، فأقول : كذا
__________________
(١) في (ب) : «تنفذ» وفي الأصل ، (ج) : «ينفد».
(٢) في (ج) : «هذه».
(٣) في النسخ : «هاتم».
(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من فوات الوفيات.
(٥) في الأصل : «قرردت».
(٦) في (ب) : «خاطبتني» وفي (ج) : «خاصبتنى».