والاتّباع حقيقته المشي وراء ماش ، فمعناه يقتضي ذاتين : تابعا ومتبوعا ، يقال : اتّبع وتبع ، ويستعار للعمل بأمر الآمر نحو : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [طه : ٩٢ ، ٩٣] وهو استعارة تمثيليّة مبنيّة على تشبيه حالتين ، ويستعار للاقتداء بسيرة أو قول نحو : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [البقرة : ١٦٨] وهو استعارة مصرّحة تنبني على تشبيه المحسوس بالمعقول مثل قوله تعالى : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) [الأنعام : ٥٠] ، ومنه قوله هنا : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).
والمراد بما أنزل هو الكتاب المذكور بقوله : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الأعراف : ٢].
وقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) تصريح بما تضمّنه : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) لأنّ فيما أنزل إليهم من ربّهم أنّ الله إله واحد لا شريك له ، وأنّه الولي ، وأنّ الذين اتّخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم ، أي مجازيهم لا يخفى عليه فعلهم ، وغير ذلك من آي القرآن ؛ والمقصود من هذا النّهي تأكيد مقتضى الأمر باتّباع ما أنزل إليهم اهتماما بهذا الجانب ممّا أنزل إليهم ، وتسجيلا على المشركين ، وقطعا لمعاذيرهم أن يقولوا إنّنا اتّبعنا ما أنزل إلينا ، وما نرى أولياءنا إلّا شفعاء لنا عند الله فما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى الله زلفى ، فإنّهم كانوا يموهون بمثل ذلك ، ألا ترى أنّهم كانوا يقولون في تلبيتهم : «لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك تملكه وما ملك» فموقع قوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) موقع الفصل الجامع من الحد ، وموقع (وَلا تَتَّبِعُوا) موقع الفصل المانع في الحدّ.
والأولياء جمع ولي ، وهو الموالي ، أي الملازم والمعاون ، فيطلق على النّاصر ، والحليف ، والصاحب الصّادق المودّة ، واستعير هنا للمعبود وللإله : لأنّ العبادة أقوى أحوال الموالاة ، قال تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) [الشورى : ٩] وقد تقدّم عند قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) في سورة الأنعام [١٤] ، وهذا هو المراد هنا.
والاتّباع في قوله : (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يجوز أن يكون مستعملا في المعنى الذي استعمل فيه الاتّباع في قوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وذلك على تقدير : لا تتّبعوا ما يأتيكم من أولياء دون الله ، فإن المشركين ينسبون ما هم عليه من الدّيانة الضّالة إلى الآلهة الباطلة ، أو إلى سدنة الآلهة وكهّانها ، كما تقدّم عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) [الأنعام : ١٣٧] ، وقوله : (فَقالُوا