يحتاج المتكلّم بعده إلى زيادة بيان ، فيأتي بالاستدراك ، ومن قال : إنّ حقيقة الاستدراك هو رفع ما يتوهّم السّامع ثبوته أو نفيه فإنّما نظر إلى بعض أحوال الاستدراك أو إلى بعض أغراض وقوعه في الكلام البليغ ، وليس مرادهم أنّ حقيقة الاستدراك لا تتقوم إلّا بذلك.
واختيار طريق الإضافة في تعريف المرسل : لما تؤذن به من تفخيم المضاف ومن وجوب طاعته على جميع النّاس ، تعريضا بقومه إذ عصوه.
وجملة : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) صفة لرسول ، أو مستأنفة ، والمقصود منها إفادة التّجدّد ، وأنّه غير تارك التّبليغ من أجل تكذيبهم تأييسا لهم من متابعته إياهم ، ولو لا هذا المقصد لكان معنى هذه الجملة حاصلا من معنى قوله : (وَلكِنِّي رَسُولٌ) ، ولذلك جمع الرّسالات لأنّ كلّ تبليغ يتضمّن رسالة بما بلّغه ، ثمّ إن اعتبرت جملة : (أُبَلِّغُكُمْ) صفة ، يكن العدول عن ضمير الغيبة إلى ضمير التّكلّم في قوله : (أُبَلِّغُكُمْ) وقوله : (رَبِّي) التفاتا ، باعتبار كون الموصوف خبرا عن ضمير المتكلّم ، وإن اعتبرت استينافا ، فلا التفات.
والتّبليغ والإبلاغ : جعل الشّيء بالغا ، أي واصلا إلى المكان المقصود ، وهو هنا استعارة للإعلام بالأمر المقصود علمه ، فكأنّه ينقله من مكان إلى مكان.
وقرأ الجمهور : (أُبَلِّغُكُمْ) ـ بفتح الموحّدة وتشديد اللّام ـ وقرأه أبو عمرو ، ويعقوب : بسكون الموحدة وتخفيف اللّام من الإبلاغ والمعنى واحد.
ووجه العدول عن الإضمار إلى الإظهار في قوله : (رِسالاتِ رَبِّي) هو ما تؤذن به إضافة الرّب إلى ضمير المتكلّم من لزوم طاعته ، وأنّه لا يسعه إلّا تبليغ ما أمره بتبليغه ، وإن كره قومه.
والنّصح والنّصيحة كلمة جامعة ، يعبّر بها عن حسن النّيّة وإرادة الخير من قول أو عمل ، وفي الحديث : «الدّين النّصيحة» ـ وأن تناصحوا من ولّاه الله أمركم. ويكثر إطلاق النّصح على القول الذي فيه تنبيه للمخاطب إلى ما ينفعه ويدفع عنه الضّر.
وضدّه الغشّ. وأصل معناه أن يتعدّى إلى المفعول بنفسه ، ويكثر أن يعدّى إلى المفعول بلام زائدة دالة على معنى الاختصاص للدّلالة على أنّ النّاصح أراد من نصحه ذات المنصوح ، لا جلب خير لنفس النّاصح ، ففي ذلك مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة ، وأنّها وقعت خالصة للمنصوح ، مقصودا بها جانبه لا غير ، فربّ نصيحة ينتفع