عبيل بن جاثر ـ ويقال كاثر ـ ابن ثمود. وفي بعض هذه الأسماء اختلاف في حروفها في كتب التاريخ وغيرها أحسبه من التّحريف وهي غير مضبوطة سوى عبيل فإنّه مضبوط في سميه الذي هو جد قبيلة ، كما في «القاموس».
وثمود هنا ممنوع من الصّرف لأنّ المراد به القبيلة لا جدّها. وأسماء القبائل ممنوعة من الصّرف على اعتبار التّأنيث مع العلميّة وهو الغالب في القرآن ، وقد ورد في بعض آيات القرآن مصروفا كما في قوله تعالى : (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ) [هود : ٦٨] على اعتبار الحيّ فينتفي موجب منع الصّرف لأنّ الاسم عربي.
وقوله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) يدلّ على أنّ ثمود كانوا مشركين ، وقد صرح بذلك في آيات سورة هود وغيرها. والظّاهر أنّهم عبدوا الأصنام التي عبدتها عاد لأنّ ثمود وعادا أبناء نسب واحد ، فيشبه أن تكون عقائدهم متماثلة. وقد قال المفسّرون : أنّ ثمود قامت بعد عاد فنمت وعظمت واتسعت حضارتها ، وكانوا موحدين ، ولعلّهم اتّعظوا بما حلّ بعاد ، ثمّ طالت مدّتهم ونعم عيشهم فعتوا ونسوا نعمة الله وعبدوا الأصنام فأرسل الله إليهم صالحا رسولا يدعوهم إلى التّوحيد فلم يتّبعه إلّا قليل منهم مستضعفون ، وعصاه سادتهم وكبراؤهم ، وذكر في آية سورة هود أنّ قومه لم يغلظوا له القول كما أغلظت قوم نوح وقوم هود لرسولهم ، فقد : (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [هود : ٦٢]. وتدلّ آيات القرآن وما فسّرت به من القصص على أنّ صالحا أجّلهم مدّة للتّأمّل وجعل النّاقة لهم آية ، وأنّهم تاركوها ولم يهيجوها زمنا طويلا.
فقد أشعرت مجادلتهم صالحا في أمر الدّين على أنّ التّعقّل في المجادلة أخذ يدبّ في نفوس البشر ، وأنّ غلواءهم في المكابرة أخذت تقصر ، وأنّ قناة بأسهم ابتدأت تلين ، للفرق الواضح بين جواب قوم نوح وقوم هود ، وبين جواب قوم صالح. ومن أجل ذلك أمهلهم الله ومادّهم لينظروا ويفكّروا فيما يدعوهم إليه نبئهم وليزنوا أمرهم ، وجعل لهم الانكفاف عن مسّ النّاقة بسوء علامة على امتداد الإمهال ؛ لأنّ انكفافهم ذلك علامة على أنّ نفوسهم لم تحنق على رسولهم ، فرجاؤه إيمانهم مستمرّ ، والإمهال لهم أقطع لعذرهم ، وأنهض بالحجّة عليهم ، فلذلك أخّر الله العذاب عنهم إكراما لنبيّهم الحريص على إيمانهم بقدر الطّاقة ، كما قال تعالى لنوح : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [هود : ٣٦].