النّاس في التّجارة والزّراعة لأمن صاحب المال من ابتزاز ماله. وفيه خير الآخرة لأنّ ذلك إن فعلوه امتثالا لأمر الله تعالى بواسطة رسوله أكسبهم رضى الله ، فنجوا من العذاب ، وسكنوا دار الثّواب ، فالتّنكير في قوله : (خَيْرٌ) للتعظيم والكمال لأنّه جامع خيري الدّنيا والآخرة.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط مقيّد لقوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) والمؤمنون لقب للمتّصفين بالإيمان بالله وحده ، كما هو مصطلح الشّرائع وحمل المؤمنين على المصدّقين لقوله ، ونصحه ، وأمانته : حمل على ما يأباه السّياق ، بل المعنى ، أنّه يكون خيرا إن كنتم مؤمنين بالله وحده ، فهو رجوع إلى الدّعوة للتّوحيد بمنزلة ردّ العجز على الصّدر في كلامه ، ومعناه أنّ حصول الخير من الأشياء المشار إليها لا يكون إلّا مع الإيمان ، لأنّهم إذا فعلوها وهم مشركون لم يحصل منها الخير لأنّ مفاسد الشّرك تفسد ما في الأفعال من الخير ، أمّا في الآخرة فظاهر ، وأمّا في الدّنيا فإنّ الشّرك يدعو إلى أضداد تلك الفضائل كما قال الله تعالى : (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) [هود : ١٠١] أو يدعو إلى مفاسد لا يظهر معها نفع تلك المصالح. والحاصل أنّ المراد بالتّقييد نفي الخير الكامل عن تلك الأعمال الصّالحة إن لم يكن فاعلوها مؤمنين بالله حقّ الإيمان ، وهذا كقوله تعالى : (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٣ ـ ١٧] وتأويل الآية بغير هذا عدول بها عن مهيع الوضوح.
وقوله : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) هذا الأصل الثّالث من دعوته وهو النّهي عن التّعرّض للنّاس دون الإيمان ، فإنّه بعد أن أمرهم بالإيمان بالله وما يتطلّبه من الأعمال الصّالحة ، وفي ذلك صلاح أنفسهم ، أي أصلحوا أنفسكم ولا تمنعوا من يرغب في إصلاح نفسه ذلك أنّهم كانوا يصدّون وفود النّاس عن الدّخول إلى المدينة التي كان بها شعيب عليهالسلام لئلا يؤمنوا به. فالمراد بالصّراط الطريق الموصلة إلى لقاء شعيب عليهالسلام.
والقعود مستعمل كناية عن لازمه وهو الملازمة والاستقرار ، وقد تقدّم عند قوله تعالى: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) في هذه السّورة [١٦].
و (كلّ) للعموم وهو عموم عرفي ، أي كلّ صراط مبلغ إلى القرية أو إلى منزل شعيب