عليم بالسحر أظهر لهم ما لا عهد لهم بمثله من أعمال السحرة ، وهذا القول قد أعرب عن رأي جميع أهل مجلس فرعون ، ففرعون كان مشاركا لهم في هذا لأن القرآن حكى عن فرعون في غير هذه السورة أنه قال للملإ حوله (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) ، وهذه المعذرة قد انتحلوها وتواطئوا عليها تبعوا فيها ملكهم أو تبعهم فيها ، فكل واحد من أهل ذلك المجلس قد وطّن نفسه على هذا الاعتذار ولذلك فالخطاب في قوله : (يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ) خطاب بعضهم لبعض وهو حاصل من طوائف ذلك الملأ لطوائف يرددونه بينهم ويقوله بعضهم لبعض.
ووجه استفادتهم أن موسى يريد إخراجهم من أرضهم ، إما أنهم قاسوا ذلك عن قول موسى (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الأعراف : ١٠٥] بقاعدة ما جاز على المثل يجوز على المماثل ، يعنون أنه ما أظهر إخراج بني إسرائيل إلا ذريعة لإخراج كل من يؤمن به ليتخدهم تبعا ويقيم بهم ملكا خارج مصر. فزعموا أن تلك مكيدة من موسى لثلم ملك فرعون.
وإما أن يكون ملأ فرعون محتويا على رجال من بني إسرائيل كانوا مقربين عند فرعون ومن أهل الرأي في المملكة ، فهم المقصود بالخطاب ، أي : يريد إخراج قومكم من أرضكم التي استوطنتموها أربعة قرون وصارت لكم موطنا كما هي للمصريين ، ومقصدهم من ذلك تذكيرهم بحب وطنهم ، وتقريبهم من أنفسهم ، وإنساؤهم ما كانوا يلقون من اضطهاد القبط واستذلالهم ، شعورا منهم بحراجة الموقف.
وإما إنهم علموا أنه إذا شاع في الأمة ظهور حجة موسى وعجز فرعون وملئه أدخل ذلك فتنة في عامة الأمة فآمنوا بموسى وأصبح هو الملك على مصر فأخرج فرعون وملأه منها.
ويجوز أن يكون الملأ خاطبوا بذلك فرعون. فجرت ضمائر الخطاب في قوله : (أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) على صيغة الجمع تعظيما للملك كما في قوله تعالى : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون : ٩٩] وهذا استعمال مطرد.
والأمر حقيقته طلب الفعل ، فمعنى (فَما ذا تَأْمُرُونَ) ما ذا تطلبون أن نفعل ، وقال جماعة من أهل اللغة : غلب استعمال الأمر في الطلب الصادر من العلي إلى من دونه فإذا التزم هذا كان إطلاقه هنا على وجه التلطف مع المخاطبين ، وأيا ما كان فالمقصود منه الطلب على وجه الإفتاء والاشتوار لأن أمرهم لا يتعين العمل به ، فإذا كان المخاطب