فرعون على ما تقدم ، كان مرادا من الأمر الطلب الذي يجب امتثاله كما قال ملأ بلقيس : (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) [النمل : ٣٣].
والساحر فاعل السحر ، وتقدم الكلام على السحر عند قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) في سورة البقرة [١٠٢].
وجملة : (قالُوا أَرْجِهْ) جواب القوم المستشارين ، فتجر يدها من حرف العطف لجريانها في طريق المحاورة ، أي : فأجاب بعض الملأ بإبداء رأي لفرعون فيما يتعين عليه اتخاذه. ويجوز أن تكون جملة : (قالُوا أَرْجِهْ) بدلا من جملة : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ) بإعادة فعل القول وهو العامل في المبدل منه إذا كان فرعون هو المقصود بقولهم : (فَما ذا تَأْمُرُونَ).
وفعل (أَرْجِهْ) أمر من الإرجاء وهو التأخير. قرأه نافع ، وعاصم ، والكسائي وأبو جعفر (أَرْجِهْ) ـ بجيم ثم هاء ـ وأصله (أرجئه) بهمزة بعد الجيم فسهلت الهمزة تخفيفا ، فصارت ياء ساكنة ، وعوملت معاملة حرف العلة في حالة الأمر ، وقرأه الباقون ـ بالهمز ساكنا على الأصل ـ ولهم في حركات هاء الغيبة وإشباعها وجوه مقررة في علم القراءات.
والمعنى : أخّر المجادلة مع موسى إلى إحضار السحرة الذين يدافعون سحره ، وحكى القرآن ذكر الأخ هنا للإشارة إلى أنه طوي ذكره في أول القصة ، وقد ذكر في غير هذه القصة ابتداء.
وعدي فعل الإرسال (بفي) دون (إلى) لأن الفعل هنا غير مقصود تعديته إلى المرسل إليهم بل المقصود منه المرسلون خاصة. وهو المفعول الأول. إذ المعنى : وأرسل حاشرين في المدائن يأتوك بالسّحرة ، فعلم أنهم مرسلون للبحث والجلب. لا للإبلاغ وهذا قريب من قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) في سورة المؤمنين [٣٢] ، قال في «الكشاف» هنالك : «لم يعد الفعل بقي مثل ما يعدى بإلى ، ولكن الأمة جعلت موضعا للإرسال كما قال رؤبة :
أرسلت فيها مصعبا ذا إقحام (١)
__________________
(١) المصعب بضم الميم وفتح العين (الفحل) الصعب من الإبل وبقية الرجز :
طبّا فقيها بذوات الإيلام