مشدودا على خشبة ، وتقدم في قوله : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) في سورة النساء [١٥٧] ، وعلى هذا يكون توعّدهم بنوعين من العذاب. والوعيد موجّه إلى جماعتهم فعلم أنه جعلهم فريقين : فريق يعذب بالقطع من خلاف ، وفريق يعذب بالصلب والقتل ، فعلى هذا ليس المعنى على أنه يصلبهم بعد أن يقطعهم ، إذ لا فائدة في تقييد القطع بكونه من خلاف حينئذ ويحتمل أن يراد بالصلب : الصلب دون قتل ، فيكون أراد صلبهم بعد القطع ليجعلهم نكالا ينذعر بهم الناس ، كيلا يقدم أحد على عصيان أمره من بعد ، فتكون (ثم) دالة على الترتيب والمهلة ، ولعل المهلة قصد منها مدة كيّ واندمال موضع القطع ، وهذا هو المناسب لظاهر قوله : (أَجْمَعِينَ) المفيد أن الصلب ينالهم كلهم.
وفصلت جملة (قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) لوقوعها في سياق المحاورة.
والانقلاب : الرجوع وقد تقدم قريبا. وهذا جواب عن وعيد فرعون بأنه وعيد لا يضيرهم ، لأنهم يعلمون أنهم صائرون إلى الله رب الجميع ، وقد جاء هذا الجواب موجزا إيجازا بديعا لأنه يتضمن أنهم يرجون ثواب الله على ما ينالهم من عذاب فرعون ، ويرجون منه مغفرة ذنوبهم ، ويرجون العقاب لفرعون على ذلك ، وإذا كان المراد بالصلب القتل وكان المراد تهديد جميع المؤمنين ، كان قولهم : (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) تشوقا إلى حلول ذلك بهم محبة للقاء الله تعالى ، فإن الله تعالى لما هداهم إلى الإيمان أكسبهم محبة لقائه ، ثم بينوا أن عقاب فرعون لا غضاضة عليهم منه ، لأنه لم يكن عن جناية تصمهم بل كان على الإيمان بآيات لما ظهرت لهم. أي : فإنك لا تعرف لنا سببا يوجب العقوبة غير ذلك.
والنّقم : بسكون القاف وبفتحها ، الإنكار على الفعل ، وكراهة صدوره وحقد على فاعله ، ويكون باللسان وبالعمل ، وفعله من باب ضرب وتعب ، والأول أفصح ولذلك قرأه الجميع (وَما تَنْقِمُ) ـ بكسر القاف ـ.
والاستثناء في قولهم : (إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا) متصل ، لأن الإيمان ينقمه فرعون عليهم ، فليس في الكلام تأكيد الشيء بما يشبه ضده.
وجملة (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) من تمام كلامهم ، وهي انتقال من خطابهم فرعون إلى التوجه إلى دعاء الله تعالى ، ولذلك فصلت عن الجملة التي قبلها.
ومعنى قوله : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) اجعل لنا طاقة لتحمل ما توعدنا به فرعون.