أحد أن مكرهم وقع في تلك المدينة ، وفسره في «الكشاف» بأنهم دبروه في المدينة حين كانوا بها قبل الحضور إلى الصحراء التي وقعت فيها المحاورة ، وقد تبين أن المراد بالظرفية ما ذكرناه بالتعليل الذي بعدها في قوله : (لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) والمراد ـ هنا ـ بعض أهلها ، وهم بنو إسرائيل ، لأن موسى جاء طلبا لإخراج بني إسرائيل كما تقدم.
وقول فرعون هذا يحتمل أنه قاله موافقا لظنه على سبيل التهمة لهم لأنه لم يكن له علم بدقائق علم السحر حتى يفرق بينه وبين المعجزة الخارقة للعادة ، فظن أنها مكيدة دبرها موسى مع السحرة ، وأنه لكونه أعلمهم أو معلمهم أمرهم فاتمروا بأمره ، كما في الآية الأخرى (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [طه : ٧١].
ويحتمل أنه قاله تمويها وبهتانا ليصرف الناس عن اتباع السحرة ، وعن التأثر بغلبة موسى إياهم فيدخل عليهم شكا في دلالة الغلبة واعتراف السحرة بها ، وأن ذلك مواطاة بين الغالب والمغلوب لغاية مقصودة ، وهو موافق في قوله هذا ، لما كان أشار به.
الملأ من قومه حين قالوا : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) [الشعراء : ٣٥] وأيّا ما كان فعزمه على تعذيبهم مصير إلى الظلم والغشم لأنه ما كان يحق له أن يأخذهم بالتهمة ، بله أن يعاقبهم على المصير إلى الحجة ، ولكنه لما أعجزته الحجة صار إلى الجبروت.
وفرع على الإنكار والتوبيخ الوعيد بقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ، وحذف مفعول (تَعْلَمُونَ) لقصد الإجمال في الوعيد لإدخال الرعب ، ثم بيّنه بجملة (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ). ووقوع الجمع معرفا بالإضافة يكسبه العموم فيعم كل يد وكل رجل من أيدي وأرجل السحرة.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ خِلافٍ) ابتدائية لبيان موضع القطع بالنسبة إلى العضو الثاني ، وقد تقدم بيان نظيرها عند قوله تعالى : (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) في سورة المائدة [٣٣]. فالمعنى : أنه يقطع من كل ساحر يدا ورجلا متخالفتي الجهة غير متقابلتيها ، أي : إن قطع يده اليمنى قطع رجله اليسرى والعكس ، وإنما لم يقطع القوائم الأربع لأن المقصود بقاء الشخص متمكنا من المشي متوكئا على عود تحت اليد من جهة الرجل المقطوعة.
ودلت (ثُمَ) على الارتقاء في الوعيد بالثلب ، والمعروف أن الصلب أن يقتل المرء