وأوثر فعل (سَأُرِيكُمْ) دون نحو : سأدخلكم ، لأن الله منع معظم القوم الذين كانوا مع موسى من دخول الأرض المقدسة لمّا امتنعوا من قتال الكنعانيين كما تقدم في قوله تعالى : (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) في سورة المائدة [٢٦]. وجاء ذلك في التوراة في سفر التثنية الإصحاح الأول : أن الله قال لموسى : «وأنت لا تدخل إلى هناك» وفي الإصحاح (٣٤) «وصعد موسى إلى الجبل (نبو) فأراه الله جميع الأرض» وقال له : «هذه الأرض التي أقسمت لإبراهيم قائلا لنسلك أعطيها قد أريتك إياها بعينيك ولكنك لا تعبر».
ويجوز أن يكون سأريكم خطابا لقوم موسى ، فيكون فعل أريكم كناية عن الحلول في دار الفاسقين ، والحلول في ديار قوم لا يكون إلّا الفتح والغلبة ، فالإراءة رمز إلى الوعد بفتح بلاد الفاسقين ، والمراد بالفاسقين المشركون ، فالكلام وعد لموسى وقومه بأن يفتحوا ديار الأمم الحالة بالأرض المقدسة التي وعدهم الله بها ، وهم المذكورون في التوراة في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر الخروج خطابا للشعب «احفظ ما أنا موصيك به ها أنا طارد من قدامك الأموريين ، والكنعانيين ، والحثيين ، والفرزيين ، والحويين ، واليبوسيين ، احترز من أن تقطع عهدا مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخّا في وسطك بل تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم فإنك لا تسجد لإله آخر».
ويؤيده ما روي عن قتادة أن دار الفاسقين هي دار العمالقة والجبابرة ، وهي الشام ، فمن الخطأ تفسير من فسروا دار الفاسقين بأنها أرض مصر فإنهم قد كانوا بها وخرجوا منها ولم يرجعوا إليها ، ومن البعيد تفسير دار الفاسقين بجهتهم ، وفي الإصحاح ٣٤ من سفر الخروج «احترز من أن تقطع عهدا مع سكان الأرض التي أنت آت إليها فيزنون وراء آلهتهم ويذبحون لآلهتهم فتدعى وتأكل من ذبيحتهم وتأخذ من بناتهم لبنيك فتزني بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن» ، ولا يخفى حسن مناسبة التعبير عن أولئك الأقوام بالفاسقين على هذا الوجه.
وقيل المراد بدار الفاسقين ديار الأمم الخالية مثل ديار ثمود وقوم لوط الذين أهلكهم الله لكفرهم ، أي ستمرون عليهم فترون ديارهم فتتعظون بسوء عاقبتهم لفسقهم ، وفيه بعد لأن بني إسرائيل لم يمروا مع موسى على هذه البلاد.
والعدول عن تسمية الأمم بأسمائهم إلى التعبير عنهم بوصف الفاسقين ؛ لأنه أدل