ضمير الألواح على معنى اللام ، أي : بالأحسن الذي هو لها وهو جميع ما فيها ، لظهور أن ما فيها من الشرائع ليس بينه تفاضل بين أحسن ودون الأحسن ، بل كله مرتبة واحدة فيما عين له ، ولظهور أنهم لا يؤمنون بالأخذ ببعض الشريعة وترك بعضها ، ولأن الشريعة مفصّل فيها مراتب الأعمال ، فلو أن بعض الأعمال كان عندها أفضل من بعض ، كالمندوب بالنسبة إلى المباح ، وكالرخصة بالنسبة إلى العزيمة ، كان الترغيب في العمل بالأفضل مذكورا في الشريعة ، فكان ذلك من جملة الأخذ بها ، فقرائن سلب صيغة التفضيل عن المفاضلة قائمة واضحة ، فلا وجه للتردد في تفسير الأحسن في هذه الآية والتعزب إلى التنظير بتراكيب مصنوعة أو نادرة خارجة عن كلام الفصحاء ، وهذه الآية نظير قوله تعالى : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) في سورة الزمر [٥٥]. والمعنى : وامر قومك يأخذوا بما فيها لحسنها.
(سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ).
كلام موجّه إلى موسى عليهالسلام فيجوز أن يكون منفصلا عن الكلام الذي قبله فيكون استئنافا ابتدائيا : هو وعد له بدخولهم الأرض الموعودة ، ويجوز أن تكون الجملة متصلة بما قبلها فتكون من تمام جملة (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) على أنها تحذير من التفريط في شيء مما كتب له في الألواح. والمعنى سأبين لكم عقاب الذين لا يأخذون بها.
والدار المكان الذي تسكنه العائلة ، كما في قوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) في سورة القصص [٨١] والمكان الذي يحله الجماعة من حي أو قبيلة كما قال تعالى : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) [الأعراف : ٩١] وقد تقدم. وتطلق الدار على ما يكون عليه الناس أو المرء من حالة مستمرة ومنه قوله تعالى : (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد : ٢٤] ، وقد يراد بها مآل المرء ومصيره ؛ لأنه بمنزلة الدار يأوي إليه في شأنه. وقد تقدم قريب من هذا عند قوله تعالى : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) في سورة الأنعام [١٣٥].
وخوطب بضمير الجمع باعتبار من معه من أصحابه شيوخ بني إسرائيل ، أو باعتبار جماعة قومه فالخطاب شامل لموسى ومن معه.
والإراءة من رأى البصرية ؛ لأنها عديت إلى مفعولين فقط.