فيقال : فرس قوي ، وجمل قوي على الحقيقة ، ويقال : عود قوي ، إذا كان عسير الانكسار ، وأسّس قوي ، إذا كان لا ينخسف بما يبنى عليه من جدار ثقيل ، إطلاقا قريبا من الحقيقة ، وهاته الحالة مقول عليها بالتشكيك لأنها في بعض موصوفاتها أشدّ منها في بعض آخر ، ويظهر تفاوتها في تفاوت ما يستطيع موصوفها أن يعمله من عمل ممّا هي حالة فيه ، ولما كان من لوازم القوة أن قدره صاحبها على عمل ما يريده أشد مما هو المعتاد ، والأعمال عليه أيسر ، شاع إطلاقها على الوسائل التي يستعين بها المرء على تذليل المصاعب مثل السلاح والعتاد ، والمال ، والجاه ، وهو إطلاق كنائي قال تعالى : (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) في سورة النمل [٣٣].
ولكونها يلزمها الاقتدار على الفعل وصف الله تعالى باسم القوي أي الكامل القدرة قال تعالى : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) في سورة الأنفال [٥٢].
والقوة هنا في قوله : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) تمثيل لحالة العزم على العمل بما في الألواح ، بمنتهى الجد والحرص دون تأخير ولا تساهل ولا انقطاع عند المشقة ولا ملل ، بحالة القوي الذي لا يستعصي عليه عمل يريده. ومنه قوله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) في سورة مريم [١٢].
وهذا الأخذ هو حظ الرسول وأصحابه المبلغين للشريعة والمنفذين لها ، فالله المشرّع ، والرسول المنفذ ، وأصحابه وولاة الأمور هم أعوان على التنفيذ ، وإنما اقتصر على أمر الرسول بهذا الأخذ لأنه من خصائصه من يقوم مقامه في حضرته وعند مغيبه ، وهو وهم فيما سوى ذلك كسائر الأمة.
فقوله : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) تعريج على ما هو حظ عموم الأمة من الشريعة وهو التمسك بها ، فهذا الأخذ مجاز في التمسك والعمل ولذلك عدي بالباء الدالة على اللصوق ، يقال : أخذ بكذا إذا تمسك به وقبض عليه ، كقوله : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) [الأعراف : ١٥٠] وقوله : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) [طه : ٩٤]. ولم يعد فعل الأخذ بالباء في قوله : (فَخُذْها) لأنه مستعمل في معنى التلقي والحفظ لأنه أهم من الأخذ بمعنى التمسك والعمل ، فإن الأول حظ ولي الأمر والثاني حظ جميع الأمة.
وجزم (يَأْخُذُوا) جوابا لقوله : (وَأْمُرْ) تحقيقا لحصول امتثالهم عند ما يأمرهم.
و (بِأَحْسَنِها) وصف مسلوب المفاضلة مقصود به المبالغة في الحسن ، فإضافتها إلى