وعلق بالأمر الثاني الرابط للأمر الأول ، فليس قوله : (فَخُذْها) بتأكيد ، وعلى هذا الوجه يكون نظم حكاية الخطاب لموسى على هذا الأسلوب من نظم القرآن.
ويجوز أن يكون في أصل الخطاب المحكي إعادة ما يدل على الأمر بالأخذ لقصد تأكيد هذا الأخذ ، فيكون توكيدا لفظيا ، ويكون تأخير القيد تحسينا للتوكيد اللفظي ليكون معه زيادة فائدة ، ويكون الاعتراض قد وقع بين التوكيد والموكّد وعلى هذا الوجه يكون نظم الخطاب على هذا الأسلوب من نظم الكلام الذي كلّم الله به موسى حكي في القرآن على أسلوبه الصادر به.
والضمير المؤنث في قوله : (فَخُذْها) عائد إلى الألواح باعتبار تقدم ذكرها في قوله: (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ). والمقول لموسى هو مرجع الضمير ، وفي هذا الضمير تفسير للإجمال في قوله : (ما آتَيْتُكَ) [الأعراف : ١٤٤] وفي هذا ترجيح كون ما صدق (ما آتَيْتُكَ) هو الألواح ، ومن جعلوا ما صدق (ما آتَيْتُكَ) الرسالة والكلام جعلوا الفاء عاطفة لقول محذوف على جملة (وَكَتَبْنا) والتقدير عندهم : وكتبنا فقلنا خذها بقوة ، وما اخترناه أحسن وأوفق بالنظم.
والأخذ : تناول الشيء ، وهو هنا مجاز في التلقي والحفظ.
والباء في قوله : (بِقُوَّةٍ) للمصاحبة.
والقوة حقيقتها حالة في الجسم يتأتّى له بها أن يعمل ما يشق عمله في المعتاد فتكون في الأعضاء الظاهرة مثل قوة اليدين على الصنع الشديد ، والرجلين على المشي الطويل ، والعينين على النظر للمرئيات الدقيقة. وتكون في الأعضاء الباطنة مثل قوة الدماغ على التفكير الذي لا يستطيعه غالب الناس ، وعلى حفظ ما يعجز عن حفظه غالب الناس ومنه قولهم : قوة العقل.
وإطلاق اسم القوى على العقل وفيما أنشد ثعلب :
وصاحبين حازما قواهما
نبّهت والرقاد قد علاهما |
|
إلى أمونين فعدّياهما |
وسمى الحكماء الحواس الخمس العقلية بالقوى الباطنية وهي الحافظة ، والواهمة ، والمفكرة ، والمخيّلة ، والحس المشترك.