والغضب تقدم في قوله : (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) في هذه السورة [٧١].
والأسف بدون مد ، صيغة مبالغة للآسف بالمد الذي هو اسم فاعل للذي حل به الأسف وهو الحزن الشديد ، أي رجع غضبان من عصيان قومه حزينا على فساد أحوالهم ، وبئسما ضد نعمّا ، وقد مضى القول عليه في قوله تعالى : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) في سورة البقرة [٩٣] ، والمعنى بئست خلافة خلفتمونيها خلافتكم.
وتقدم الكلام على فعل خلف في قوله : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) [الأعراف : ١٤٢] قريبا.
وهذا خطاب لهارون ووجوه القوم ، لأنهم خلفاء موسى في قومهم فيكون (خَلَفْتُمُونِي) مستعملا في حقيقته ، ويجوز أن يكون الخطاب لجميع القوم ، فأما هارون فلأنه لم يحسن الخلافة بسياسة الأمة كما كان يسوسها موسى ، وأما القوم فلأنهم عبدوا العجل بعد غيبة موسى ، ومن لوازم الخلافة فعل ما كان يفعله المخلوف عنه ، فهم لما تركوا ما كان يفعله موسى من عبادة الله وصاروا إلى عبادة العجل فقد انحرفوا عن سيرته فلم يخلفوه في سيرته ، وإطلاق الخلافة على هذا المعنى مجاز فيكون فعل (خَلَفْتُمُونِي) مستعملا في حقيقته ومجازه.
وزيادة (مِنْ بَعْدِي) عقب (خَلَفْتُمُونِي) للتذكير بالبون الشاسع بين حال الخلف وحال المخلوف عنه تصوير لفظاعة ما خلفوه به أي بعد ما سمعتم مني التحذير من الإشراك وزجركم عن تقليد المشركين حين قلتم : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، فيكون قيد (مِنْ بَعْدِي) للكشف وتصوير الحالة كقوله تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦] ، ومعلوم أن السقف لا يكون إلّا من فوق ، ولكنه ذكر لتصوير حالة الخرور وتهويلها ، ونظيره قوله تعالى ، بعد ذكر نفر من الأنبياء وصفاتهم ، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) [الأعراف : ١٦٩] أي من بعد أولئك الموصوفين بتلك الصفات.
و «عجل» أكثر ما يستعمل قاصرا ، بمعنى فعل العجلة أي السرعة ، وقد يتعدى إلى المعمول «بعن» فيقال : عجل عن كذا بمعنى لم يتمّه بعد أن شرع فيه ، وضده تم على الأمر إذا شرع فيه فأتمّه ، ويستعمل عجل مضمنا معنى سبق فعدي بنفسه على اعتبار هذا المعنى ، وهو استعمال كثير.
ومعنى «عجل» هنا يجوز أن يكون بمعنى لم يتم ، وتكون تعديته إلى المفعول على