والفتنة ما يقع به اضطراب الأحوال ، ومرجها ، وتشتت البال ، وقد مضى تفسيرها عند قوله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) في سورة البقرة [١٠٢]. وقوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) في سورة العقود [٧١] وقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) في سورة الأنعام [٢٣].
والقصد من جملة : (أَنْتَ وَلِيُّنا) الاعتراف بالانقطاع لعبادة الله تعالى ، تمهيدا لمطلب المغفرة والرحمة ، لأن شأن الولي أن يرحم مولاه وينصره.
والولي : الذي له ولاية على أحد ، والولاية حلف أو عتق يقتضي النصرة والإعانة ، فإن كان من جانبين متكافئين فكلا المتعاقدين يقال له مولى ، وإن كان أحد الجانبين أقوى قيل للقوي (ولي) وللضعيف (مولى) وإذ قد كانت الولاية غير قابلة للتعدد ، لأن المرء لا يتولى غير مواليه ، كان قوله : (أَنْتَ وَلِيُّنا) مقتضيا عدم الانتصار بغير الله. وفي صريحه صيغة قصر.
والتفريع عن الولاية في قوله : (فَاغْفِرْ لَنا) تفريع كلام على كلام وليس المراد أن الولي يتعين عليه الغفران.
وقدم المغفرة على الرحمة لأن المغفرة سبب لرحمات كثيرة ، فإن المغفرة تنهية لغضب الله المترتب على الذنب ، فإذا انتهى الغضب تسنى أن يخلفه الرضا. والرضا يقتضي الإحسان.
و (خَيْرُ الْغافِرِينَ) الذي يغفر كثيرا ، وقد تقدم قريب منه في قوله تعالى : (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) في سورة آل عمران [١٥٠].
وإنما عطف جملة : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) لأنه خبر في معنى طلب المغفرة العظيمة ، فعطف على الدعاء ، كانه قيل : فاغفر لنا وارحمنا واغفر لنا جميع ذنوبنا ، لأن الزيادة في المغفرة من آثار الرحمة.
و (اكْتُبْ) مستعار لمعنى العطاء المحقق حصوله ، المجدد مرة بعد مرة ، لأن الذي يريد تحقيق عقد أو عدة ، أو عطاء ، وتعلّقه بالتجدد في المستقبل يكتب به في صحيفة ، فلا يقبل النكران ، ولا النقصان ، ولا الرجوع ، وتسمى تلك الكتابة عهدا ، ومنه ما كتبوه في صحيفة القطيعة ، وما كتبوه من حلف ذي المجاز ، قال الحارث بن حلزة :
حذر الجور والتطاخي وهل ينقض ما في المهارق الأهواء