تهلكهم الآن.
والاستفهام في قوله : (أَتُهْلِكُنا) مستعمل في التفجع أي : أخشى ذلك ، لأن القوم استحقوا العذاب ويخشى أن يشمل عذاب الله من كان مع القوم المستحقين وإن لم يشاركهم في سبب العذاب ، كما قال : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] وفي حديث أم سلمة أنها قالت : «يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ـ قال ـ نعم إذا كثر الخبث» وفي حديث آخر ، «ثم يحشرون على نياتهم» وقد خشي موسى سوء الظنة لنفسه ولأخيه وللبراء من قومه أن يظنهم الأمم التي يبلغها خبرهم أنهم مجرمون.
وإنما جمع الضمير في قوله : (أَتُهْلِكُنا) لأن هذا الإهلاك هو الإهلاك المتوقع من استمرار الرجفة ، وتوقعه واحد في زمن واحد ، بخلاف الإهلاك المتقدم ذكره فسببه مختلف فناسب توزيع مفعوله.
وجملة : (أَتُهْلِكُنا) مستأنفة على طريقة تقطيع كلام الحزين الخائف السائل. وكذلك جملة : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) وجملة (أَنْتَ وَلِيُّنا).
وضمير (إِنْ هِيَ) راجع إلى ما فعل السفهاء لأن ما صدق ما فعل السفهاء هو الفتنة ، والمعنى : ليست الفتنة الحاصلة بعبادة العجل إلا فتنة منك ، أي من تقديرك وخلق أسباب حدوثها ، مثل سخافة عقول القوم ، وإعجابهم بأصنام الكنعانيين ، وعيبة موسى ، ولن هارون ، وخشيته من القوم ، وخشية شيوخ إسرائيل من عامتهم ، وغير ذلك مما يعلمه الله وأيقن موسى به إيقانا إجماليا.
والخبر في قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) الآية : مستعمل في إنشاء التمجيد بسعة العلم والقدرة ، والتعريض بطلب استبقائهم وهدايتهم ، وليس مستعملا في الاعتذار لقومه بقرينة قوله : (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) الذي هو في موضع الحال من (فِتْنَتُكَ) فالإضلال بها حال من أحوالها.
ثم عرّض بطلب الهداية لهم بقوله : (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) والمجرور في قوله (بِها) متعلق بفعل (تُضِلُ) وحده ولا يتنازعه معه فعل (تَهْدِي) لأن الفتنة لا تكون سبب هداية بقرينة تسميتها فتنة ، فمن قدر في التفسير : وتهدي بها أو نحوه ، فقد غفل.
والباء : إما للملابسة ، أي تضل من تشاء ملابسا لها ، وإما للسببية ، أي تضل بسبب تلك الفتنة ، فهي من جهة فتنة ، ومن جهة سبب ضلال.