والأمة الجماعة من الناس المشتركة في هذا القول ، قال المفسرون : إن أمة من بني إسرائيل كانت دائبة على القيام بالموعظة والنهى عن المنكر ، وأمة كانت قامت بذلك ثم أيست من اتعاظ الموعوظين وأيقنت أن قد حقت على الموعوظين المصمين آذانهم كلمة العذاب ، وأمة كانت سادرة في غلوائها ، لا ترعوي عن ضلالتها ، ولا ترقب الله في أعمالها.
وقد أجملت الآية ما كان من الأمة القائلة إيجازا في الكلام ، اعتمادا على القرينة لأن قولهم : (اللهُ مُهْلِكُهُمْ) يدل على أنهم كانوا منكرين على الموعوظين ، وإنهم ما علموا أن الله مهلكهم إلّا بعد أن مارسوا أمرهم ، وسبروا غورهم ، ورأوا أنهم لا تغني معهم العظات ، ولا يكون ذلك إلّا بعد التقدم لهم بالموعظة ، وبقرينة قوله بعد ذلك (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ) إذ جعل الناس فريقين ، فعلمنا أن القائلين من الفريق الناجي ، لأنهم ليسوا بظالمين ، وعلمنا أنهم ينهون عن السوء.
وقد تقدم ذكر الوعظ عند قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) في سورة النساء [٦٣] وعند قوله آنفا (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) في هذه السورة [١٤٥].
واللام في (لِمَ تَعِظُونَ) للتعليم ، فالمستفهم عنه من نوع العلل ، والاستفهام إنكاري في معنى النفي ، فيدل على انتفاء جميع العلل التي من شأنها أن يوعظ لتحصيلها ، وذلك يفضي إلى اليأس من حصول اتعاظهم ، والمخاطب ب (تَعِظُونَ) أمة أخرى.
ووصف القوم بأن الله مهلكهم : مبني على أنهم تحققت فيهم الحال التي أخبر الله بأنه يهلك أو يعذب من تحققت فيه ، وقد أيقن القائلون بأنها قد تحققت فيهم ، وأيقن المقول لهم بذلك حتى جاز أن يصفهم القائلون للمخاطبين بهذا الوصف الكاشف لهم بأنهم موصوفون بالمصير إلى أحد الوعيدين.
واسما الفاعل في قوله : (مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ) مستعملان في معنى الاستقبال بقرينة المقام ، وبقرينة التردد بين الإهلاك والعذاب ، فإنها تؤذن بأن أحد الأمرين غير معين الحصول ، لأنه مستقبل ولكن لا يخلو حالهم عن أحدهما.
وفصلت جملة (قالُوا) لوقوعها في سياق المحاورة ، كما تقدم غير مرة أي قال المخاطبون ب (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً) إلخ.
والمعذرة ـ بفتح الميم وكسر الذال ـ مصدر ميمي لفعل (اعتذر) على غير قياس ،