ومعنى اعتذر أظهر العذر ـ بضم العين وسكون الذال ـ والعذر السبب الذي تبطل به المؤاخذة بذنب أو تقصير ، فهو بمنزلة الحجة التي يبديها المؤاخذ بذنب ؛ ليظهر أنه بريء مما نسب إليه ، أو متأول فيه ، ويقال : عذره إذا قبل عذره وتحقق براءته ، ويعدّى فعل الاعتذار بإلى لما فيه من معنى الإنهاء والإبلاغ.
وارتفع (مَعْذِرَةً) على أنه خبر لمبتدإ محذوف دل عليه قول السائلين (لِمَ تَعِظُونَ) والتقدير موعظتنا معذرة منا إلى الله.
وبالرفع قرأه الجمهور ، وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على المفعول لأجله أي وعظناهم لأجل المعذرة.
وقوله : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) علة ثانية للاستمرار على الموعظة أي رجاء لتأثير الموعظة فيهم بتكرارها.
فالمعنى : أن صلحاء القوم كانوا فريقين. فريق منهم أيس من نجاح الموعظة وتحقق حلول الوعيد بالقوم ، لتوغلهم في المعاصي ، وفريق لم ينقطع رجاؤهم من حصول أثر الموعظة بزيادة التكرار ، فأنكر الفريق الأول على الفريق الثاني استمرارهم على كلفة الموعظة. واعتذر الفريق الثاني بقولهم : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) فالفريق الأول أخذوا بالطرف الراجح الموجب للظن. والفريق الثاني أخذوا بالطرف المرجوح جمعيا بينه وبين الراجح لقصد الاحتياط ، ليكون لهم عذرا عند الله إن سألهم لما ذا أقلعتم عن الموعظة ولما عسى أن يحصل من تقوى الموعوظين بزيادة الموعظة ، فاستعمال حرف الرجاء في موقعه ، لأن الرجاء يقال على جنسه بالتشكيك فمنه قوي ومنه ضعيف.
وضمير (نَسُوا) عائد إلى (قَوْماً) والنسيان مستعمل في الإعراض المفضي إلى النسيان كما تقدم عند قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) في سورة الأنعام [٤٤].
و (الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) هم الفريقان المذكوران في قوله آنفا (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً) ـ إلى قوله ـ (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ، و (الَّذِينَ ظَلَمُوا) هم القوم المذكورون في قوله : (قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) إلخ.
والظلم هنا بمعنى العصيان ، وهو ظلم النفس ، حق الله تعالى في عدم الامتثال لأمره.
وبيس قرأه نافع وأبو جعفر ـ بكسر الباء الموحدة مشبعة بياء تحتية ساكنة وبتنوين