السين ـ على أن أصله بئس ـ بسكون الهمزة فخففت الهمزة ياء مثل قولهم : ذيب في ذئب.
وقرأه ابن عامر بئس بالهمزة الساكنة وإبقاء التنوين على أن أصله بئيس.
وقرأه الجمهور (بَئِيسٍ) ـ بفتح الموحدة وهمزة مكسورة بعدها تحتية ساكنة وتنوين السين ـ على أنه مثال مبالغة من فعل بؤس ـ بفتح الموحدة وضم الهمزة ـ إذا أصابه البؤس ، وهو الشدة من الضر. أو على أنه مصدر مثل عذير ونكير.
وقرأه أبو بكر عن عاصم (بَئِيسٍ) بوزن صيقل ، على أنه اسم للموصوف بفعل البؤس مبالغة ، والمعنى ، على جميع القراءات : أنه عذاب شديد الضر.
وقوله : (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) تقدم القول في نظيره قريبا.
وقد أجمل هذا العذاب هنا ، فقيل هو عذاب غير المسخ المذكور بعده ، وهو عذاب أصيب به الذين نسوا ما ذكروا به ، فيكون المسخ عذابا ثانيا أصيب به فريق شاهدوا العذاب الذي حل بإخوانهم ، وهو عذاب أشد ، وقع بعد العذاب البيس ، أي أن الله أعذر إليهم فابتدأهم بعذاب الشدة ، فلما لم ينتهوا وعتوا ، سلّط عليهم عذاب المسخ.
وقيل : العذاب البئيس هو المسخ ، فيكون قوله : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) بيانا» جمال العذاب البئيس ، ويكون قوله : (فَلَمَّا عَتَوْا) بمنزلة التأكيد لقوله : (فَلَمَّا نَسُوا) صيغ بهذا الأسلوب لتهويل النسيان والعتو ، ويكون المعنى : أن النسيان ، وهو الإعراض ، وقع مقارنا للعتو.
و (ما ذُكِّرُوا بِهِ) و (ما نُهُوا عَنْهُ) ما صدقهما شيء واحد ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال : فلما نسوا وعتوا عما نهوا عنه وذكروا به قلنا لهم إلخ ، فعدل عن مقتضى الظاهر إلى هذا الأسلوب من الإطناب لتهويل أمر العذاب ، وتكثير أشكاله ، ومقام التهويل من مقتضيات الأطناب ، وهذا كإعادة التشبيه في قول لبيد :
فتنازعا سبطا يطير ظلاله |
|
كدخان مشعلة يشبّ ضرامها |
مشمولة غلثت بنابت عرفج |
|
كدخان نار ساطع أسنامها |
ولكن أسلوب الآية أبلغ وأوفر فائدة ، وأبعد عن التكرير اللفظي ، فما في بيت لبيد كلام بليغ ، وما في الآية كلام معجز.