رجعوا من أسر الآشوريين. والمراد بإرث الكتاب إعادة مزاولتهم التوراة التي أخرجها إليهم (عزرا) المعروف عند أهل الإسلام باسم عزير ، ويكون أخذهم عرض الأدنى أخذ بعض الخلف لا جميعه ، لأن صدر ذلك الخلف كانوا تائبين وفيهم أنبياء وصالحون.
وإن كان المراد من تقطيعهم في الأرض أمما تكثيرهم والامتنان عليهم ، كان قوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) تفريعا على جميع القصص المتقدمة التي هي قصص أسلافهم ، فيكون المراد بالخلف من نشأ من ذرية أولئك اليهود بعد زوال الأمة وتفرقها ، منهم الذين كانوا عند ظهور الإسلام ، وهم اليهود الذين كانوا بالمدينة ، وإلى هذا المعنى في (الخلف) نحا المفسرون.
والخلف ـ بسكون اللام ـ من يأتي بعد غيره سابقه في مكان أو عمل أو نسل ، يبينه المقام أو القرينة ، ولا يغلب فيمن يخلف في أمر سيئ ، قاله النضر بن شميل ، خلافا لكثير من أهل اللغة إذ قالوا : الأكثر استعمال الخلف ـ بسكون اللام ـ فيمن يخلف في الشر ، وبفتح اللام فيمن يخلف في الخير ، وقال البصريون : يجوز التحريك والإسكان في الرديء ، وأما الحسن فبالتحريك فقط.
وهو مصدر أريد به اسم الفاعل أي خالف ، والخلف مأخوذ من الخلف ضد القدّام لأن من يجيء بعد قوم فكأنه جاء من ورائهم ، ولا حد لآخر الخلف ، بل يكون تحديده بالقرائن ، فلا ينحصر في جيل ولا في قرن ، بل قد يكون الخلف ممتدا ، قال تعالى بعد ذكر الأنبياء (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) [مريم : ٥٩] فيشمل من خلفهم من ذرياتهم من العرب واليهود وغيرهم ، فإنه ذكر من أسلافهم إدريس وهو جد نوح.
و (وَرِثُوا) مجاز في القيام مقام الغير كما تقدم في قوله تعالى : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها) في هذه السورة [٤٣] وقوله فيها : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) [الأعراف : ١٠٠] فهو بمعنى الخلفية ، والمعنى : فخلف من بعدهم خلف في إرث الكتاب ، وهذا يجري على كلا القولين في تخصيص الخلف ، لأنه بيان للفعل لا لاسم الخلف.
وجملة : (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) حال من ضمير (وَرِثُوا) ، والمقصود هو ذم الخلف بأنهم يأخذون عرض الأدنى ويقولون سيغفر لنا ، ومهد لذلك بأنهم ورثوا الكتاب ليدل على أنهم يفعلون ذلك عن علم لا عن جهل ، وذلك أشد مذمة ، كما قال تعالى :