(وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) [الجاثية : ٢٣].
ومعنى الأخذ هنا الملابسة والاستعمال فهو مجاز أي : يلابسونه ، ويجوز كونه حقيقة كما سيأتي.
والعرض ـ بفتح العين وفتح الراء ـ الأمر الذي يزول ولا يدوم. ويراد به المال ، ويراد به أيضا ما يعرض للمرء من الشهوات والمنافع.
والأدنى الأقرب من المكان ، والمراد به هنا الدنيا ، وفي اسم الإشارة إيماء إلى تحقير هذا العرض الذي رغبوا فيه كالإشارة في قول قيس بن الخطيم :
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة |
|
لنفسي إلّا قد قضيت قضاءها |
وقد قيل : أخذ عرض الدنيا أريد به ملابسة الذنوب ، وبذلك فسر سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والطبري ، فيشمل كل ذنب ، ويكون الأخذ مستعملا في المجاز وهو الملابسة ، فيصدق بالتناول باليد وبغير ذلك ، فهو من عموم المجاز ، وقيل عرض الدنيا هو الرّشا وبه فسّر السّدي ، ومعظم المفسرين ، فيكون الأخذ مستعملا في حقيقته وهو التناول ، وقد يترجح هذا التفسير بقوله (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ) كما سيأتي.
والقول في : (وَيَقُولُونَ) هو الكلام اللساني ، يقولون لمن ينكر عليهم ملابسة الذنوب وتناول الشهوات ، لأن (ما) بعد يقولون يناسبه الكلام اللفظي ، ويجوز أن يكون الكلام النفساني ، لأنه فرع عنه ، أي قولهم في أنفسهم يعللونها به حين يجيش فيها وازع النهي ، فهو بمنزلة قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) [المجادلة : ٨] وذلك من غرورهم في الدين.
وبناء فعل «يغفر» على صيغة المجهول لأن الفاعل معروف ، وهو الله ، إذ لا يصدر هذا الفعل إلّا عنه ، وللدلالة على أنهم يقولون ذلك على وجه العموم لا في خصوص الذنب الذي أنكر عليهم ، أو الذي تلبّسوا به حين القول ، ونائب الفاعل محذوف لعلمه من السياق ، والتقدير : سيغفر لنا ذلك ، أو ذنوبنا ، لأنهم يحسبون أن ذنوبهم كلها مغفورة (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) كما تقدم في سورة البقرة [٨٠] ، أي يغفر لنا بدون سبب المغفرة ، وهو التوبة كما يعلم من السياق ، وهو جزمهم بذلك عقب ذكر الذنب دون ذكر كفارة أو نحوها.
وقوله (لَنا) لا يصلح للنيابة عن الفاعل ، لأنه ليس في معنى المفعول ، إذ فعل