المغفرة يتعدّى لمفعول واحد ، وأما المجرور بعده باللام فهو في معنى المفعول لأجله ، يقال : غفر الله لك ذنبك ، كما قال تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] فلو بني شرح للمجهول لما صح أن يجعل (لَكَ) نائبا عن الفاعل.
وجملة : (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) معطوفة على جملة ، (يَأْخُذُونَ) لأن كلا الخبرين يوجب الذم ، واجتماعهما أشد في ذلك.
وجملة : (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) معطوفة على التي قبلها ، واستعير إتيان العرض لبذله لهم إن كان المراد بالعرض المال ، وقد يراد به خطور شهوته في نفوسهم إن كان المراد بالعرض جميع الشهوات والملاذ المحرمة ، واستعمال الإتيان في الذوات أنسب من استعماله في خطور الأعراض والأمور المعنوية ، لقرب المشابهة في الأول دون الثاني.
والمعنى : أنهم يعصون ، ويزعمون أن سيّئاتهم مغفورة ، ولا يقلعون عن المعاصي.
وجملة : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) جواب عن قولهم : (سَيُغْفَرُ لَنا) إبطالا لمضمونه ، لأن قولهم : (سَيُغْفَرُ لَنا) يتضمن أنهم يزعمون أن الله وعدهم بالمغفرة على ذلك ، والجملة معترضة في أثناء الإخبار عن الصالحين وغيرهم ، والمقصود من هذه الجملة إعلام النبي صلىاللهعليهوسلم ليحجهم بها ، فهم المقصود بالكلام. كما تشهد به قراءة (أَفَلا تَعْقِلُونَ) بتاء الخطاب.
والاستفهام للتقرير المقصود منه التوبيخ ، وهذا التقرير لا يسعهم إلّا الاعتراف به ، لأنه صريح كتابهم ، في الإصحاح الرابع من السفر الخامس «لا تزيدوا على الكلام الذي أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب» ولا يجدون في الكتاب أنهم يغفر لهم ، وإنما يجدون فيه التوبة كما في الإصحاح من سفر التثنية ، وكما في سفر الملوك الأول في دعوة سليمان حين بنى الهيكل في الإصحاح الثامن ، فقولهم : (سَيُغْفَرُ لَنا) تقوّل على الله بما لم يقله.
والميثاق : العهد ، وهو وصية موسى التي بلّغها إليهم عن الله تعالى في مواضع كثيرة ، وإضافة الميثاق إلى الكتاب على معنى (في) أو على معنى اللام أي الميثاق المعروف به ، والكتاب توراة موسى ، وأن لا يقولوا هو مضمون ميثاق الكتاب فهو على حذف حرف الجر قبل (أن) الناصبة ، والمعنى : بأن لا يقولوا ، أي بانتفاء قولهم على الله