غير الحق ، ويجوز كونه عطف بيان من ميثاق ، فلا يقدر حرف جر ، والتقدير : ميثاق الكتاب انتفاء قولهم على الله إلخ.
وفعل (دَرَسُوا) عطف على (يُؤْخَذْ) ،. لأن يؤخذ في معنى المضي ، لأجل دخول لم عليه ، والتقدير : ألم يؤخذ ويدرسوا ، لأن المقصود تقريرهم بأنهم درسوا الكتاب ، لا الإخبار عنهم بذلك كقوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) ـ إلى قوله ـ (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) [النبإ : ٦ ـ ١٤] والتقدير : ومخلقكم أزواجا ونجعل نومكم سباتا ، إلى آخر الآية.
والمعنى : أنهم قد أخذ عليهم الميثاق بأن لا يقولوا على الله إلّا الحق ، وهم عالمون بذلك الميثاق ، لأنهم درسوا ما في الكتاب فبمجموع الأمرين قامت عليهم الحجة.
وجملة : (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) حالية من ضمير (يَأْخُذُونَ) أي : يأخذون ذلك ويكذبون على الله ويصرون على الذنب وينبذون ميثاق الكتاب على علم في حال أن الدار الآخرة خير مما تعجّلوه ، وفي جعل الجملة في موضع الحال تعريض بأنهم يعلمون ذلك أيضا فهم قد خيّروا عليه عرض الدنيا قصدا ، وليس ذلك عن غفلة صادفتهم فحرمتهم من خير الآخرة ، بل هم قد حرموا أنفسهم ، وقرينة ذلك قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) المتفرع على قوله : (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) وقد نزلوا في تخيرهم عرض الدنيا بمنزلة من لا عقول لهم ، فخوطبوا ب (أَفَلا تَعْقِلُونَ) بالاستفهام الإنكاري ، وقد قرئ بتاء الخطاب ، على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب. ليكون أوقع في توجبه التوبيخ إليهم مواجهة ، وهي قراءة نافع ، وابن عامر ، وابن ذكوان ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب ، وأبي جعفر ، وقرأ البقية بياء الغيبة ، فيكون توبيخهم تعريضيا.
وفي قوله : (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) كناية عن كونهم خسروا خير الآخرة بأخذهم عرض الدنيا بتلك الكيفية ، لأن كون الدار الآخرة خيرا مما أخذوه يستلزم أن يكون ما أخذوه قد أفات عليهم خير الآخرة.
وفي جعل الآخرة خير للمتقين كناية عن كون الذين أخذوا عرض الدنيا بتلك الكيفية لم يكونوا من المتقين ، لأن الكناية عن خسرانهم خير الآخرة مع إثبات كون خير الآخرة للمتقين تستلزم أن الذين أضاعوا خير الآخرة ليسوا من المتقين ، وهذه معان كثيرة جمعها قوله : (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وهذا من حد الإعجاز العجيب.