بلاد قومه فمات كافرا. وكان يذكر في شعره الثواب والعقاب واسم الله وأسماء الأنبياء ، وقد قال فيه النبي صلىاللهعليهوسلم : «كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم» وروي عن أمية أنه قال لما مرض مرض موته «أنا أعلم أن الحنيفية حق ، ولكن الشك يداخلني في محمد».
فمعنى (آتَيْناهُ آياتِنا) أن الله ألهم أمية كراهية الشرك ، وألقى في نفسه طلب الحق ، ويسّر له قراءة كتب الأنبياء ، وحبّب إليه الحنيفية ، فلما انفتح له باب الهدى وأشرق نور الدعوة المحمدية كابر وحسد وأعرض عن الإسلام ، فلا جرم أن كانت حاله أنه انسلخ عن جميع ما يسر له ، ولم ينتفع به عند إبان الانتفاع ، فكان الشيطان هو الذي صرفه عن الهدى فكان من الغاوين ، إذ مات على الكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال سعيد بن المسيب نزلت في أبي عامر بن صيفي الراهب ، واسمه النعمان الخزرجي ، وكان يلقب بالراهب في الجاهلية لأنه قد تنصّر في الجاهلية ، ولبس المسوح وزعم أنه على الحنيفية ، فلما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة دخل على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا محمد ما الذي جئت به ـ قال ـ جئت بالحنيفية دين إبراهيم ـ قال ـ فإني عليها ـ فقال النبي ـ لست عليها لأنك أدخلت فيها ما ليس منها» فكفر وخرج إلى مكة يحرّض المشركين على قتال النبي صلىاللهعليهوسلم ويخرج معهم ، إلى أن قاتل في حنين بعد فتح مكة ، فلما انهزمت هوازن يئس وخرج إلى الشام فمات هنالك.
وذهب كثير من المفسرين إلى أنها نزلت في رجل من الكنعانيين ، وكان في زمن موسىعليهالسلام يقال له : بلعام بن باعور ، وذكروا قصته فخلطوها وغيروها واختلفوا فيها ، والتحقيق أن بلعام هذا كان من صالحي أهل مدين وعرّافيهم في زمن مرور بني إسرائيل على أرض (مؤاب) ولكنه لم يتغير عن حال الصلاح ، وذلك مذكور في سفر العدد من التوراة في الاصحاحات ٢٢ ـ ٢٣ ـ ٢٤ فلا ينبغي الالتفات إلى هذا القول لاضطرابه واختلاطه.
والإيتاء هنا مستعار للاطلاع وتيسير العلم مثل قوله (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ)(١) [البقرة : ٢٥١].
و «الآيات» دلائل الوحدانية التي كرّهت إليه الشرك وبعثته على تطلب الحنيفية بالنسبة
__________________
(١) في المطبوعة : وآتاه الله العلم والحكمة وهو غلط ، والمثبت هو الموافق للقرآن الكريم.