وصيغت هذه الكناية بالفعل الدال على التكلف لإفادة قوة التمكن من ذلك لأن التكلف يقتضي الرغبة.
وذكّر الضمير المرفوع في فعلي يسكن و (تغشى) : باعتبار كون ما صدق المعاد ، وهو النفس الواحدة ، ذكرا ، وأنّث الضمير المنصوب في (تَغَشَّاها) ، والمرفوع في (حَمَلَتْ). و (مرت) : باعتبار كون ما صدق المعاد وهو زوجها أنثى ، وهو عكس بديع في نقل ترتيب الضمائر.
ووصف الحمل ب (خَفِيفاً) إدماج ثان ، وهو حكاية للواقع ، فإن الحمل في مبدئه لا تجد منه الحامل ألما ، وليس المراد هنا حملا خاصّا ، ولكنه الخبر عن كل حمل في أوله ، لأن المراد بالزوجين جنسهما ، فهذه حكاية حالة تحصل منها عبرة أخرى ، وهي عبرة تطور الحمل كيف يبتدئ خفيفا كالعدم ، ثم يتزايد رويدا رويدا حتى يثقل ، وفي «الموطأ» «قال : مالك وكذلك (أي كالمريض غير المخوف والمريض المخوف») : الحامل في أول حملها بشر وسرور وليس بمرض ولا خوف ، لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) [هود : ٧١] وقال : (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
وحقيقة المرور : الاجتياز ، ويستعار للتغافل وعدم الاكتراث للشيء كقوله تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) [يونس : ٧٢] أي : نسى دعاءنا ، وأعرض عن شكرنا لأن المار بالشيء لا يقف عنده ولا يسائله ، وقوله : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : ٧٢].
وقال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) [يوسف : ١٠٥].
فمعنى (فَمَرَّتْ بِهِ) لم تتفطن له ، ولم تفكر في شأنه ، وكل هذا حكاية للواقع ، وهو إدماج.
والإثقال ثقل الحمل وكلفته ، يقال أثقلت الحامل فهي مثقل وأثقل المريض فهو مثقل ، والهمزة للصيرورة مثل أورق الشجر ، فهو كما يقال أقربت الحامل فهي مقرب إذا أقرب أبان وضعها.
وقد سلك في وصف تكوين النسل مسلك الإطناب : لما فيه من التذكير بتلك